المادية باحثاً عن الاكتمال الروحي المرتبط بالمعنى العقلي والنفسي ، ليبرز نفسه في مرآة التاريخ كحالة معرفية تقنية ; أي أن المعطى المعرفي الذي ينتج يلقي بظلاله على المعطى المادي فتقع آثار المعرفة على المادة ، فترفع هذه الأخيرة مستوى نوعية وقدرة المعرفة المادية . وقد نعلن واقعية هذه الحقيقة إذا توقفنا عند بُعدها الثقافي ، وحصرنا التاريخ في الأحداث والوقائع ، بحيث يتجلى لنا هذا فيما أوردته كتب التاريخ وما سطره المؤرخون ، ويكون بذلك التاريخ على حد قول ميشله : هو معرفة الدقائق والخصائص والمميزات التي تعطي للواقع صبغته الوجودية ; أي أنه ( الواقع ) يقرر بالشكل الذي يدون ويصير بهذا علمُ التاريخ ، ويقصد هنا التاريخ الرسمي ممارسة فعل تعسفي وقمعي على أحداث الواقع ليتكيّف مع طبيعة الحالة السياسية المسيطرة في تلك الحالة . قد يكون هذا منطق المؤرخ ، أي أنه ينسجم وذاته بحيث يعكس واقعه كمؤرخ ناطق باسم الجهة التي يعلن الانتساب إليها ، سواء كانت هذه الجهة سياسية فيكون المؤرخ ممثلاً لها وهذا ما نجده على أرض الواقع بحيث صارت أغلب التواريخ السائدة معبرة عن سياسة عصرها والحامية لها ، أو ممثلة لتيار فكري سائد في زمانها ، ويظل الجمهور محروماً وأسيراً للنخبة الحاكمة ، ويبقى متأثراً بطبيعة هذه النخبة ومدى ملامستها للحقيقة ، لأن الكلام في هذا المجال أوجب التمييز والتفريق في التاريخ نفسه ، يعني بين التاريخ المروي أو باصطلاح آخر ما دوّنه المؤرخ ، والتاريخ الواقعي وهو ما حدث كوقائع حقيقية .