قال السائل : فقوله : الرحمن على العرش استوى ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه ، من غير أن يكون العرش محلاًّ له . لكنا نقول : هو حامل وممسك للعرش ، ونقول في ذلك ما قال : وسع كرسيه السماوات والأرض ، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له ، وأن يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان ، أو إلى شئ مما خلق ، بل خلقه محتاجون إليه . قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء ، وبين أن تخفضوها نحو الأرض ؟ قال أبو عبد الله : في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنه عز وجل أمر أوليائه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق ، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول حين قال : إرفعوا أيديكم إلى الله عز وجل . وهذا تجمع عليه فرق الأمة كلها . ومن سؤاله أن قال : ألا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد ؟ قال أبو عبد الله : لا يخلو قولك إنهما اثنان من أن يكونا : قديمين قويين أو يكونا ضعيفين ، أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفاً . فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه وينفرد بالربوبية ، وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني . وإن قلت إنهما اثنان ، لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة ، أو مفترقين من كل جهة ، فلما رأينا الخلق منتظما والفلك جارياً واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر ، دل ذلك على صحة الأمر والتدبير وايتلاف الأمر ، وأن المدبر واحد .