وتسألهم : هل هو عز وجل بحاجة لأن يُعرف ؟ وهل عدم معرفة الإنسان وأهل الأرض له تجعله مخفياً ؟ وهل يفكر الله سبحانه هكذا ، مثلنا ؟ ! ويقول لك بعض المتعمقين : إن اللام في قوله تعالى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالآنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ . ليست لام الغاية بل هي لام الطريق ، أما لام الغاية فهي في قوله تعالى : إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ . والرحمة هي العطاء الإلهي للإنسان ليتكامل ، والعبادة طريق الاستفادة من هذه الرحمة . فتجده منطقاً جديداً مقنعاً ، فلا هو عز وجل بحاجة لأن يعرف ، ولا بحاجة إلى عبادتنا . بل خلقنا لنتكامل باختيارنا ، ونحقق ذواتنا بإرادتنا ، ونجعلها صالحة للخلود في النعيم . وهو عز وجل يدلنا على كل ما يلزمنا لذلك ، وهذه هي عبادته عز وجل . وتسأل : وماذا كان سيحدث لو يخلقنا ؟ والجواب : لا يحدث له شئ سبحانه ، فهو الغني المطلق عنا وعن العالمين . لكن عندما يكون في علمه عز وجل أنه يمكن أن يخلق مخلوقاً يتكامل بإرادته ، وبصراع الخير والشر فيه وفي محيطه ، وليس في خلقه ظلمٌ له ولا لغيره ، فلماذا لا يخلقه ؟ ! وتسألني : هذا يعني أن مشروع الحياة كله ، كان من أجل الناس الذين علم الله أنهم سيتكاملون ، فلماذا خلق الكافرين ، وقد علم أنهم لن يتكاملوا ! والجواب : أن الكافرين لم يستفيدوا من الفرصة التي منحت لهم في حياتهم ، فلم يظلمهم الله تعالى ، بل ظلموا أنفسهم ، لأنهم أبوا أن يحققوا ذواتهم بشكل صحيح ، وأصروا على أن يحققوها بطريقة خاطئة ! ولهذا فإن فتح مدرسة الحياة ضرورةٌ ، ليتكامل من يريد التكامل : مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ . وليس فيه ظلم لمن يأبى التكامل .