وطعامنا . . جعله الله من نبات الأرض وحيوانها ، يحتاج إلى جهد يستغرق أكثر وقتنا ، هل كان من الصعب عليه عز وجل أن يجعله ميسوراً مبذولاً لكل الناس ، كالهواء الذي نتنفسه ؟ وهل كان من الضروري أن يكون ابن آدم أجوف ، يحتاج لأن يملأ جوفه باستمرار بمواد من نبات الأرض أو حيوانها ، فإن لم يملأه مات ! وعندما ينظر الإنسان إلى نفسه يرى أنه جهاز عظيم ، مجهز بخمس كاميرات متطورة هي حواسه الخمس ، وبمركز تحليل لمعلوماتها هو الدماغ . وإذا قسنا سرعة عمل دماغه بسرعة شرائح الحاسب ، تبدو أعظم الشرائح وأكثرها تطوراً ، متخلفة عاجزة عن القيام بأبسط عمليات الدماغ ! وهو يتميز عن كل الأجهزة بأنه يعي نفسه وينفتح على غيره ، فله نوافذ لفهم وجود العالم من حوله ، ومعرفة وجود ربه ، خالقه وخالق العالم . ويتميز بطموحه العظيم ، وإمكاناته الكبيرة . . وبتناقضه العجيب . إنه جهاز فريد متعوبٌ عليه . لكن عُمْرَهُ ومشاكله لا تتناسب مع عظمته ! مسكين ابن آدم ، تؤلمه البقَّة ، وتقتله الشَّرْقَة ، وتُنْتِنُهُ العَرْقة ، وسرعان ما يموت ويصير تراباً ! وما قيمة الستين سنة والمئة ، فهل كان صعباً على الله عز وجل أن يجعل عمره عشرات ألوف السنين ؟ أو يجعله خالداً لا يموت ؟ ! إن الفقر والمرض والموت حدود لوجودنا . وربط وجودنا بجاذبية الأرض تحديد لمجال حياتنا . فنحن نعلم أنه يوجد حياة أفضل وأكمل ، ونطمح إليها ، وهذا هو النزوع إلى الكمال والجمال والخلود .