وكان الحاضرون مؤمنين ملتزمين ، يؤدون الفرائض ، ويبتعدون عن المعاصي وكثير منهم ملتزم بقيام الليل ، وعدد من المستحبات . فانطلق الشيخ يشرح تقصير المؤمنين والحاضرين في الإنفاق على الأيتام ، وفي عدم التوجه إلى الله في صلاتهم ، وأخذ يقرعهم ويخوفهم بوادي الويل في جهنم ، الذي توعد الله به المصلين . فرأيت كل واحد من الحاضرين يبحث في نفسه ويفتش ثيابه ، ويبتلع ريقه وتألمه ، وكأنه المقصود بوعيد الله تعالى له بالويل في قعر جهنم ! واكفهرَّ الجو ، وظهرت على وجوه الحاضرين آثار سياط شيخنا الواعظ ! فكرت كيف أعالج الموضوع ، وقررت إن فتح لي مجال الكلام أن أعطي الحاضرين دفعة أمل ، لعلي أجبر ما خربه هذا الصديق الواعظ . وبعد أن أكمل سألني بيني وبينه : ما رأيك في الموضوع ؟ فقلت له بيني وبينه : لقد أشفقت لحالة مستمعيك ، فما ذنب هؤلاء المؤمنين يا شيخنا حتى أتيت بمقارع جعلها الله للكفار الفجار وقرعتهم بها ! أما ترى السورة نصفها للكافرين ، الذين يكذب أحدهم بالدين والآخرة ، ويدفع اليتيم والفقير في صدره . ونصفها للمنافقين ، الذين يسهى أحدهم عن صلاته فلا يصلي ، وإن صلاها فرياءً ، ويمنع مساعدة المحتاجين ! فكيف جعلت معنى عن صلاتهم ساهون : في صلاتهم ساهون ؟ ! وجعلت المؤمن الذي يساعد ولو قليلاً ، كمن يمنع الماعون ويدع اليتيم ! والأمر الثاني : أن نصحح نظرتنا للتدين بالإسلام ، فبعض الناس يميلون إلى تعذيب الذات وجلدها ، وكأنهم يفهمون الدين من هذه الزاوية ، كما رأينا في شيخنا الواعظ !