ثم فتح الله عليها الفتوح فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت : لولا أنه حق لما كان كذا ! ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف . وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول الله ( ص ) لم يقربني بما تعلمونه من القُرْب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت . وكذاك لم يكن يَقْرُب ما قَرُبْتُ ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة . اللهم إنك تعلم أني لم أرد الأمرة ولا علو الملك والرياسة ، وإنما أردت القيام بحدودك ، والأداء لشرعك ، ووضع الأمور في مواضعها وتوفير الحقوق على أهلها ، والمضي على منهاج نبيك ، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك » . ( شرح النهج : 20 / 298 ) . فشكايته ( عليه السلام ) من قريش تبدأ من فورتهم الجاهلية الوحشية في وجه النبي ( ص ) وبني هاشم عندما أعلن بعثته . وتشمل عتبة بن ربيعة ، وأبا سفيان ، والوليد بن المغيرة ، وأبا جهل ، وسهيل بن عمرو ، وزملاؤهم ، فهؤلاء الذين قادوا الحروب ضد النبي ( ص ) . وتشمل بعد النبي ( ص ) سهيل بن عمرو ، وأبا سفيان ، ومن اتفقوا معهم من الصحابة على إقصاء بني هاشم وأخذ الخلافة . فهؤلاء هم طرف الخصومة يوم القيامة مع علي ( عليه السلام ) .