ولو كانت هذه الطبائع ثابتة الجوهرية مستمرة الهوية ، لم تنتقل هذه الدار إلى دار الآخرة ، ولم تتبدل الأرض غير الأرض ولا السماوات غير السماوات كما دلت عليه الآية ) . وقال في / 96 ، في تفسير قوله تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ . وهذه الوراثة والرجوع إنما يتحققان إذا صارت الأرض غير الأرض ، بأن تصير أرضاً حية بيضاء منيرة مشرقة عقلية ، كما في قوله : يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ ، وقوله : وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا . وإلا فما دامت كثيفة مظلمة ميتة ، فهي بعيدة المناسبة عن الحضرة الإلهية . وقوله : إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا . لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا . وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ، أي مجرداً عن الأجسام وعوارضها المادية وأوضاعها الحسية ، بل عن إنياتهم وهوياتهم المغايرة للحق ، لاستغراقهم في بحر الطبيعة وانغمارهم في الدنيا . وذلك التجرد إنما يحصل بالفناء عن هذه النشأة الطبيعية ، والحشر إلى الله والبعث في القيامة . . وقوله : يَوْمَ نَطْوِى السَّمَاءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ . قد مر سابقاً أن هذه الأجسام الطبيعية منشورة في الدنيا مطوية في الآخرة ، والأرواح بعكس ذلك ) . وقال في أسرار الآيات / 198 : ( فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ . عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ . وبهذا التبديل في الوجود ، سواء وقع قبل الموت أو بالموت أو بعده ، يستحق الإنسان لدخول الجنة ودار السلام ، ويتحقق الفرق بين أهل الجنة وأهل النار ، فأهل الجنة لهم أبدان مطهرة وصور مجردة عن رجس هذه المواد ، بخلاف أهل الجحيم لعدم تبدل