بالريح ، ويجد طعم الطعام والشراب بالماء ، ويتحرك بالروح ، ولولا أن النار في معدته ما هضمت الطعام والشراب في جوفه . ولولا الريح ما التهبت نار المعدة ولا خرج الثقل من بطنه ، ولولا الروح ما تحرك ولا جاء ولا ذهب ، ولولا برد الماء لأحرقته نار المعدة ، ولولا النور ما بصر ولا عقل . فالطين صورته ، والعظم في جسده بمنزلة الشجرة في الأرض ، والدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض ، ولا قوام للأرض إلا بالماء ، ولا قوام لجسد الإنسان إلا بالدم ، والمخ دسم الدم وزبده . فهكذا الانسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة ، فإذا جمع الله بينهما صارت حياته في الأرض ، لأنه نزل من شأن السماء إلى الدنيا ، فإذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت ، ترد شأن الأخرى إلى السماء ، فالحياة في الأرض والموت في السماء . وذلك أنه يفرق بين الأرواح والجسد ، فردت الروح والنور إلى القدرة الأولى وترك الجسد لأنه من شأن الدنيا . وإنما فسد الجسد في الدنيا لأن الريح تنشف الماء فييبس ، فيبقى الطين فيصير رفاتاً ويبلى ، ويرجع كل إلى جوهره الأول . وتحركت الروح بالنفس حركتها من الريح ، فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل ، وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء ، فهذه صورة نار وهذه صورة نور . والموت رحمة من الله عز وجل لعباده المؤمنين ، ونقمة على الكافرين . ولله عقوبتان : إحداهما أمر الروح والأخرى تسليط بعض الناس على بعض ، فما كان من قبل الروح فهو السقم والفقر ، وما كان من تسليط فهو النقمة ، وذلك قوله تعالى : وَكَذَلِكَ نُوَلِي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . من