وعَفَت العواصف آثاره ، ومحا الحدثان معالمه . وصارت الأجساد شَحْبَةً بعد بَضِّتها ، والعظام نَخِرَةً بعد قًوَّتها ، والأرواح مرتهنةً بثقل أعبائها ، موقنة بغيب أنبائها ، لاتستزاد من صالح عملها ، ولا تستعتب من سئ زللها . أوَلستم أبناء القوم والآباء ، وإخوانهم والأقرباء . تحتذون أمثلتهم ، وتركبون قُدَّتهم ، وتطأون جادَّتهم . فالقلوب قاسيةٌ عن حظها ، لاهيةٌ عن رشدها ، سالكةٌ في غير مضمارها ، كأن المعنيَّ سواها ، وكأن الرشد في إحراز دنياها ) . ( نهج البلاغة : 1 / 141 ) . ( أو لستم ترون أهل الدنيا يصبحون ويمسون على أحوال شتّى : فميتٌ يُبكى ، وآخر يُعُزَّى ، وصريع مبتلى . وعائد يعود ، وآخر بنفسه يجود . وطالب للدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه . وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي . ألا فاذكروا هادم اللَّذَّات ومُنَغِّص الشهوات ، وقاطع الأمنيات ، عند المساورة للأعمال القبيحة ) . ( نهج البلاغة : 1 / 192 ) . ( أولئكم سلف غايتكم وفُرَّاطُ مناهلكم . الَّذين كانت لهم مقاوم العز وحلبات الفخر ، ملوكاً وسُوَقاً ، سلكوا في بطون البرزخ سبيلاً . سلَّطت الأرض عليهم فيه ، فأكلت من لحومهم ، وشربت من دمائهم . فأصبحوا في فجوات قبورهم جماداً لا ينمون وضِماراً لا يوجدون ) ( نهج البلاغة : 2 / 206 ) . ( فكم أكلت الأرض من عزيز جسد ، وأنيق لون . كان في الدّنيا غذيَّ ترف وربيب شرف . . فبينا هو يضحك إلى الدنيا وتضحك إليه ، في ظل عيش غفول ، إذ وطئ الدّهر به حسكه ، ونقضت الأيّام قواه ، ونظرت إليه الحتوف من كثب . فخالطه بثّ لا يعرفه ، ونجيّ همّ ما كان يجده . وتولَّدت فيه فترات علل ، آنسَ ما كان بصحته ، ففزع إلى ما كان عوده الأطباء ، من تسكين الحار بالقار ، وتحريك