أهله ينظر ببصره ويسمع بأذنه ، على صحة من عقله ، وبقاء من لبه . يفكر فيم أفنى عمره ، وفيم أذهب دهره . ويتذكر أموالاً جمعها أغمض في مطالبها ، وأخذها من مصرحاتها ومشتبهاتها ، قد لزمته تبعات جمعها وأشرف على فراقها ، تبقى لمن وراءه ينعمون فيها ويتمتعون بها ، فيكون المهنأ لغيره ، والعبء على ظهره . والمرء قد غلقت رهونه بها ، فهو يعض يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره ، ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره ، ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه . فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط لسانه سمعه . فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ، ولا يسمع بسمعه ، يردد طرفه بالنظر في وجوههم ، يرى حركات ألسنتهم ، ولا يسمع رجع كلامهم . ثم ازداد الموت التياطاً به فقبض بصره كما قبض سمعه ، وخرجت الروح من جسده ، فصار جيفة بين أهله ، قد أوحشوا من جانبه ، وتباعدوا من قربه ، لا يسعد باكياً ولا يجيب داعياً . ثم حملوه إلى مخطٍّ في الأرض ، وأسلموه فيه إلى عمله ، وانقطعوا عن زَوْرَتِه ) . 4 . قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصف الاحتضار ورهبته : ( فإنكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم ووهلتم ، وسمعتم وأطعتم ، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا ، وقريب ما يطرح الحجاب ) . ( نهج البلاغة : 1 / 57 ) . ( فهل دفعتِ الأقارب ، أو نفعت النواحِب ، وقد غُودر في محلَّة الأموات رهيناً ، وفي ضيق المضجع وحيداً . قد هتكت الهوامّ جلدته ، وأبلت النّواهك جِدته ،