خداع وتظليل ، أو على عجلة وقلة أناة ، حين تجمد المسألة الواقعية للحياة وتدرس المسألة الاجتماعية منفصلة عنها ، مع أن قوام الميزان الفكري للنظام بتحديد نظرته منذ البداية إلى واقع الحياة ، التي تمون المجتمع بالمادة الاجتماعية _ وهي العلاقات المتبادلة بين الناس _ وطريقة فهمه لها واكتشاف أسرارها وقيمها . فالإنسان في هذا الكوكب ان كان من صنع قوة مدبرة مهيمنة عالمة بأسراره وخفاياه ، بظواهره ودقائقه قائمة على تنظيمه وتوجيهه . . فمن الطبيعي ان يخضع في توجيهه وتكييف حياته لتلك القوة الخالقة ، لأنها أبصر بأمره واعلم بواقعه ، وأنزه قصدا وأشد اعتدالا منه . وأيضا ، فان هذه الحياة المحدودة ان كانت بداية الشوط لحياة خالدة تنبثق عنها ، وتتلون بطابعها ، وتتوقف موازينها على مدى اعتدال الحياة الأولى ونزاهتها . . فمن الطبيعي ان تنظيم الحياة الحاضرة بما هي بداية الشوط لحياة لا فناء فيها وتقام على أسس القيم المعنوية والمادية معا . واذن فمسألة الايمان بالله وانبثاق الحياة عنه ، ليست مسألة فكرية خالصة لا علاقة لها بالحياة ، لتفصل عن مجالات الحياة ويشرع لها طرائقها ودساتيرها ، مع اغفال تلك المسألة وفصلها ، بل هي مسألة تتصل بالعقل والقلب والحياة جميعا . والدليل على مدى اتصالها بالحياة من الديمقراطية الرأسمالية نفسها : أن الفكرة فيها تقوم على أساس الايمان بعدم وجود شخصية أو مجموعة من الافراد ، بلغت من العصمة في قصدها وميلها وفي رأيها واجتهادها ، إلى الدرجة التي تبيح ايكال المسألة الاجتماعية إليها ، والتعويل في إقامة حياة صالحة للأمة عليها . وهذا الأساس بنفسه لا موضع ولا معنى له ، إلا إذا أقيم على فلسفة مادية خالصة