ونحن إذ ننشر له اليوم كتاب المجالس والمسايرات ، فقصدنا أن نعرّف أوّلا بمكانة المؤلَّف في المذهب الشيعي وعند الخلفاء الأربعة الأوّلين ، وثانيا لنكشف النقاب عن عمق تفكير هذا الرجل الذي كان قاضي الفاطميّين الأوّل وفقيههم بدون منازع ، رغم ما يظهر من تواضعه واستظلاله بظلّ الأئمّة في كامل مؤلَّفاته ، ولا سيّما كتاب المجالس والمسايرات هذا ، وثالثا لنحيي هذا الكتاب الذي انتظره الدارسون طويلا ، لما فيه من تسجيل يوميّ لأقوال المعزّ وأفعاله ، حتى لكأنّه سيرة مفصّلة لهذا الخليفة الفاطميّ العظيم . فالقاضي النعمان هو أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي . والنسبة تدلّ على أنّه عربيّ الأصل . أمّا كنيته فلم نجد لها سندا في مؤلَّفاته ، بل لا يدعوه الأئمّة الَّا باسمه : النعمان . فلا حاجة في نظرنا إلى التماس سبب لرواج اسمه بدلا من كنيته فنبرّره بالهروب من الالتباس بأبي حنيفة النعمان صاحب المذهب الحنفيّ . لا يعرف تاريخ ميلاده ، فلذلك عمد الباحثون إلى التخمين والتقريب مثل قوتهايل Gottheil وآصف فيضي [1] اللذين قدّراه بسنة 259 ه / 873 وبسنة 293 / 906 . ولعلَّه ولد بين سنة 283 و 290 كما قدّرنا بدورنا [2] فيكون دخل في خدمة المهدي في سنّ تتراوح بين 23 و 30 سنة . ولا نعرف كذلك مكان ولادته ، وربّما كانت بالقيروان كما يقول الزركلي ووحيد ميرزا دون ذكر للمصدر . ونرجّح ذلك لأنّ أباه دفن بها بباب سلم عن سنّ عالية ( مائة وأربع سنين ) سنة 351 حسب كلام ابن خلَّكان . ويقول ابن خلَّكان أيضا إنّ النعمان كان مالكيّا ثم تحوّل إلى مذهب الإماميّة . وكذلك يقول مؤرّخو الشيعة ، معتمدين على رواج كتابه في الفقه « دعائم الاسلام »
[1] - ترجم له Gottheil في مجلة J . A . O . S . سنة 1906 . وآصف فيضي في مجلة J . R . A . S . سنة 1934 . [2] انظر المجالس ص 79 تنبيه 1 .