قلت : أفلا ترون أنّ اللَّه ( عج ) شبّه المؤمنين بالزرع وذكر أنّه يعجب زرّاعه إذا هو استغلظ واستوى على سوقه ؟ فحقيق علينا أن نكون بحيث يعجب أولياء اللَّه . فقال ( صع ) : وكيف لا يعجبنا أن تكونوا كما أمرناكم عن اللَّه ( عج ) وقد استعملنا في استصلاحكم وتقويمكم ودعائكم [1] إليه وقبولكم عنه ؟ وهل يعجب من استعمل في عمل أن يأتي به على خلاف محبوب من استعمله ممّن يرجو ثوابه عليه ؟ واللَّه ما يسرّه إلَّا أن يصلح ما يتولَّى [2] عمله ويحسّنه ويأتي به على أفضل حال مسار من استعمله فيه ليوفّيه أجره عليه / ويشكر له قيامه به . وإن هو أفسد ذلك وفسد على يديه أو لم يقم بما أقيم له من صلاح ، أو لم يصلح بعد أن بذل مجهوده فيه ثمّ أتى غيره فصلح على يديه واستقام له الأمر فيه وأتى به على حسب ما أمله مستعمله ، فكيف يكون حال من كان قبل ذلك وقد عجز عنه إذ لم يصلح على يديه ؟ فكذلك نحن : إنّ اللَّه ( عج ) يستعمل منّا الواحد بعد الواحد ثمّ يرى ما عملنا . وقد قال رسول اللَّه ( صلع ) : إنّي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة [3] . أفترى أنّه لا يسرّنا أن يكثر أتباعنا وأولياؤنا ومن يقبل عنّا ويتأسّى بنا ويمتثل أمرنا ؟ بلى واللَّه ! إنّا لنسرّ بذلك أيّما سرور ونغمّ بخلافه . وما دعا نوح / على قومه إلَّا وقد عيل صبره وضاق صدره بتكذيبهم إيّاه ، واشتدّ غمّه بما سمعه منهم ورآه ويئس منهم ، وأخبره اللَّه ( عج ) عنهم أنّه لن يؤمن منهم إلَّا من قد آمن من قبل ، فعند ذلك دعا عليهم بالبوار والدمار .
[1] دعائكم بمعنى دعوتكم . [2] أ : تدل . [3] حديث : إني مكاثر بكم الأمم . ذكره النسائي ( ج 6 ص 66 ) وابن حنبل ( ج 3 ص 158 ) على هذا النحو : تزوجوا الولود الودود إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة . وجاء على صيغة أخرى في مسند ابن حنبل ( ج 3 ص 354 ) : انكم اليوم على ديني ، واني مكاثر بكم الأمم ، فلا تمشوا بعدي القهقرى ، وكذلك في الجامع الصغير ( ج 1 ص 431 ) . وذكره ابن ماجة ( ج 1 ص 599 ) على هذا النحو : انكحوا فاني مكاثر بكم . هذا ، وسيعيده النعمان فيما يلي من الكتاب ( ص 561 ) .