وكنت قبل ذلك قد سمعت بعضهم يحرّض بعضا في الاجتماع لقراءة كتاب « دعائم الاسلام [1] » الذي بسطه المعزّ لدين اللَّه ( صلع ) لهم [2] وجعله في مجلس من مجالس قصره ، وأباح لهم متى أحبّوا استماعه وقراءته / وانتساخه والتعلَّم [3] منه والتّفقّه فيه . وقال منهم من حرّض [4] على ذلك : ويحكم ، أما تخافون إن قصّرتم في هذا أن يكون حجّة من اللَّه ومن وليّه عليكم إن يختبركم فيه ، وقد أباحه لكم دهرا طويلا ، فيختبركم فيه أو في بعض أبوابه فلا يجدكم حفظتم شيئا منه ، ولا انتفعتم به ، فيقال لكم : إذا كنتم لم تقوموا بما أعطيناكم من ظاهر دينكم . الذي تعبّدكم اللَّه بالقيام به ، فكيف ينبغي لنا أن نعطيكم من باطنه ؟ فقلت : يا مولانا ، واللَّه لعهدي اليوم بإخواننا يتراجعون في مثل هذا ، وذلك لمّا انقطع عنهم سماعه ، واعتذر بالعلَّة من أمر ب [ أن ] يقرأ عليهم وما خلَّفتهم إلَّا على الاجتماع إليه / . فإن تمادى على الاعتذار لهم وتخلَّف عنهم رفعوا ذلك إليك وسألوا فضل رأيك فيه . قال : يا نعمان ، من يقول هذا ؟ قلت له : قال فلان ، وفلان ، وسمّيت له الرّجال الذين تفاوضوا فيه . قال : هؤلاء قليل في كثير ، وكنّا نحبّ صلاح الجميع . وكأنّي واللَّه بهم لو جمعناهم على هذا يزري بعضهم على بعض ، ويقول القائل منهم : فلان يريد أن يكون قاضيا ، وفلان يريد أن يكون داعيا ، ويقول الآخر لبعض من يصحبه : قم بنا ويحك لكذا وكذا ، لما هم به أشغل وأعنى ، ودعنا من هذا الفضول ! فقال بعضهم ممّن حضر : كأنّ واللَّه أمير المؤمنين شاهد القوم !
[1] هو كتاب « دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والاحكام عند أهل بيت رسول اللَّه عليهم أفضل السلام » كتبه القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد ، ويعد عمدة الفقه الإسماعيلي إلى اليوم . وقد قال المجدوع إن القاضي النعمان صنفه بأمر من الخليفة المعز وأصل له أصوله وفرع له فروعه . وكان يعرض عليه أبوابه فيتثبت منها ويستدرك ويشير بما يرى إصلاحه حتى أتم الكتاب . انظر المجدوع : فهرسة الكتب والرسائل ، 18 وما بعدها ( وانظر مقدمتنا ص 16 ) . وانظر كذلك ما قالته الدكتورة وداد القاضي من أن كتاب الدعائم « له صبغة سنية مالكية واضحة » ( ملتقى القاضي النعمان الأول بالمهدية ، 12 - 15 أغسطس 1975 ، ص 143 ) . [2] سقطت « لهم » من أ . والعبارة هامة لأنها تؤيد ما ذهبنا إليه من أن البسط لا يعدو العرض والتمكين ، وتدفع القول بأن المعز هو الذي أوحى إلى النعمان بمادة الكتاب . [3] ب : والتعليم منه . [4] ب : من حصر .