عزّ وجلّ قد حتم الموت على كلّ نفس ، وإنّما قال في هذا : * ( « الله يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ، والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى » ) * . فلو كان القضاء هاهنا الحتم لكان عليها جميعا [1] . قال هذا القائل : ثمّ يصير الحتم بمعان ، كقوله : * ( « وقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه [2] » ) * أي : أمر ، لأنّه لمّا أمر حتم بالأمر . وكقوله : * ( « وقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ [3] » ) * أي : أعلمناهم ، لأنّه لمّا أخبرهم أنّهم يفسدون في الأرض حتم بوقوع الخبر . وقوله : * ( « فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ [4] » ) * أي صنعهنّ . وقوله : * ( « / فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ [5] » ) * : اصنع ما أنت صانع . ومثله : * ( « فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وشُرَكاءَكُمْ [ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ] ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ » ) * أي اعملوا ما أنتم عاملون * ( [ ولا تُنْظِرُونِ ] [6] * ( ) * . وأنشد لأبي ذؤيب [7] ( كامل ) : < شعر > وعليهما مسرودتان قضاهما داود / أو / [8] صنع السّوابغ تبّع < / شعر > أي صنعهما داود عليه السلام [ وتبّع ] [9] .
[1] الزمر ، الآية 42 . وان اعتراض القاضي مردود . فمعنى الآية : يحتفظ اللَّه بالتي حكم عليها بالموت ويترك الأنفس التي أجلها [2] الاسراء ، 23 . [3] الاسراء ، 4 . [4] فصلت ، 12 . [5] طه ، 72 . [6] يونس ، 71 . والمكمل نص التأويل لابن قتيبة . [7] هو خويلد بن خالد الهذلي الشاعر . كان مسلما على عهد الرسول ولم يره ، فهو جاهلي أسلم ، غزا إفريقية مع ابن أبي سرح . ومات فيها فدفنه ابن الزبير . وفي موته روايات أخرى ( انظر عنه ابن قتيبة : الشعر والشعراء ج 2 ص 635 ، أبو الفرج الاصفهاني : الأغاني ج 6 ص 264 وابن عبد البر : الاستيعاب ج 4 ص 65 وابن ناجي : معالم الإيمان ( تحقيق إبراهيم شبوح ) ج 1 ص 173 . [8] في الأصل « من » . انظر السكري : شرح أشعار الهذليين 1 : 39 . والصنع : الحاذق بالعمل ، وهو هاهنا تبع . وانظر أيضا : ابن قتيبة : المعاني الكبير 2 : 1039 واللسان ، مادة « قضى » . [9] المكمل من ابن قتيبة : تأويل مشكل القرآن 442 .