قالها ودفعتها العقول الناقصة بعد أن أثبتها [1] وقامت حجّة اللَّه فيها عليها ، وذلك قوله سبحانه : * ( « وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وعُلُوًّا [2] » ) * . وأمّا قولهم لمّا رأوا العذاب : * ( « وقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ [3] » ) * ، فإنّما ذلك بما قصر من عقولهم ، وليس مثل هذه العقول ذكرنا ، ولا إليها أشرنا . ولمّا كان / العقل خلق [ ا ] من خلق اللَّه لم يكن له بدّ [4] من زوج يشبهه لقوله عزّ وجلّ : * ( « ومِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [5] » ) * ، فباطن العقل في الفضل كمثله ، وما شهد له وثبت عنده وصدّقه فذلك برهان منه له كما قال جلّ ذكره : * ( « فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ [6] » ) * . فقبّل الأرض من كان في المجلس بين يديه . وقال ذلك الذي كان يقول [ بقول ] الفلاسفة : على مثل هذا ، واللَّه ، دار القوم وأخطأوه ، وحوله حاموا فجهلوه . فقال ( صلع ) : أرأيتم لو حدّثكم رجل صادق عندكم أنّه سمع رجلا مخبولا تكلَّم بكلام الخبل ، هل كنتم تمترون في قوله ؟ قلنا : لا . قال : فلو حدّثكم / بذلك عن رجل عاقل فاضل عالم ، أليس كنتم تشكَّون في صدقه حتّى تختبروا الرجل الذي حكى ذلك عنه ، فإن أصبتموه على ما كنتم عهدتموه من العقل والفهم والعلم كنتم على ما كنتم ، عليه من الشكّ فيما نقل إليكم عنه لصدق المخبر وحاله التي تدفع عنه وتنفي مثل ذلك الخبر ، لأنّ العقل لا يقطع على صادق بالكذب ، ولا عاقل بالخبل والتخليط ؟ قلنا : نعم .
[1] قالها العقل ، وأثبتها العقل . [2] النمل ، 14 . [3] الملك ، 10 . [4] في الأصل : لم يكن بد له . [5] الذاريات ، 49 . [6] القصص ، 32 .