فقال صلَّى اللَّه عليه وآله : إنّ غلبة السيوف ينالها المحقّ والمبطل ولكنّ غلبة حجّة الحقّ لا تكون إلَّا لأهله . ونحن نريد منكم / أن تكونوا قاهرين بالأيدي والألسنة وكذلك تكونو / ن / إن شاء اللَّه . إنّا لو هدينا بعض البهائم لاهتدت ، فكيف بمن تولَّانا وحلّ محلَّكم منّا ؟ فقالوا : يفيدنا أمير المؤمنين ويبصّرنا ما نقول . فتبسّم ، ثمّ أطرق ساعة وقال : أليس قد أسكن اللَّه آدم جنّته وأوسع عليه نعمته ، فلمّا استنفره الشيطان فعصى أهبطه [1] منها وإيّاه ، ثم تلقّى آدم كلمات ربّه فأعاده إليها ، ومن أصلح من ولده ، ولعن إبليس وحرّمها عليه وعلى من اتّبعه من ولد آدم وركن إليه ؟ ( قال ) فالمعصية هي التي أوجبت إخراج البربر لا الأنساب ، فمن صلح من ذرّيتهم وأناب وتلقّته الكلمات دخل في حكم / أهل الطاعة واستحقّ الرجوع إلى مكانه ومقرّه . ومن تمادى على غيّه وعصيانه بقي طريدا منفيّا ، وثوى شقيّا مخزيّا . هذا حكم اللَّه عزّ وجلّ في الأوّلين والآخرين وسنّته في عباده إلى يوم الدين [2] . ثمّ نظر إليّ فقال : ما الذي أوجب لآدم أن تلقّته كلمات ربّه ووفّق لتوبته وأوبته وسبّب له أسباب سعادته ، وحرم ذلك إبليس فلم ينله ، ولا شيئا منه ، وباء باللَّعنة في الدنيا وفي الآخرة بالنار ، والمصير إلى سوء القرار ، لإصراره على معصيته ، وندم آدم منها بتوبته . ( قال ) أفليس ذلك بتوفيق اللَّه لآدم وهدايته إليه ؟ قلت : أجل ! قال / فلم لم يكن مثل ذلك لإبليس من موادّ فضل اللَّه عزّ وجلّ ورحمته وإحسانه ؟ وإن كانت الحجّة بالمعصية قد وجبت عليهما ، فلم خصّ اللَّه عزّ وجلّ آدم بالفضل والهداية منهما ؟ قلت : اللَّه ووليّه أعلم . قال : لأنّهما ليسا سواء في الجرم والمعصية : كان آدم فيها مخدوعا ، زيّنها له واختدعه الشيطان ، والشيطان مختار لها داخل فيها على بيان ، فلم يستويا .
[1] في الأصل : فأهبطه . [2] يستخدم المعز أسطورة الأصل المشرقي للبربر حتى يحملهم على مرافقته إلى مصر يوم يعزم على فتحها ، ويعتبروا أن خروجهم إلى المشرق إنما هو عودة إلى أوطانهم الأصلية وليس هجرة .