* ( « كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ / إِلَّا وَجْهَه [1] » ) * . فعلمت أنّ المنصور قد قبض ( صلع ) . وهجم عليّ من ذلك ما كدت أن أسقط له إلى الأرض . ثم تداركت نفسي ، ورأيت الناس حولي ، فاستثبتّ وقلت كلاما نحو ما قاله المعزّ صلوات اللَّه عليه لا أفهمه ، وأنسانيه ما كنت فيه وانصرفت عنه والعبرة تخنقني والدموع تبتدر من عيني حتّى صرت إلى خلاء من الفحص ، فأرسلت عبرتي ورفعت عقيرتي وبكيت لذلك مليّا حتّى خفّ ذلك عنّي وأقمت أيّاما على ذلك ، إذا امتلأ صدري وعيل صبري خرجت إلى ذلك المكان فاستفرغت ما عندي . واستفاض أمر المنصور ( صلع ) ، وأرى / المعزّ لدين اللَّه أدام اللَّه تعميره وضاعف عليه صلاته [2] كلّ يوم يتسلَّى ويزيد صبره ويحسن ظاهره ، وأنا أعلم من مكانه عنده ومحلَّه لديه وموقعه من قلبه ما قد كنت أخاف عليه إن حدث به حدث من أجله . فرأيت من العزاء والصّبر والتجلَّد وجميل الأمر ما قد أيقنت / معه / أنّ ذلك لانتقال الإمامة إليه ، ورأيت تأثيرها ومخايلها فيه . وأنا على ذلك ما أتمالك جزعا وهلعا . غير أنّه سهّل عليّ بعض ذلك ، ما رأيته من صبر المعزّ لدين اللَّه صلوات اللَّه عليه وحسن عزائه وما منحه اللَّه جلّ ذكره من الضبط والكفاية وأولاه من لطيف / الصنع والرعاية . 15 - وأظنّه ( ص ) رأى في ظاهر حالتي ما بيّن له من شدّة جزعي وقلَّة صبري ، فوقّع إليّ يوما بخطَّ يده ، أعلاها اللَّه : يا نعمان ، ليحسن عزاؤك ويجمل صبرك ! فمولاك مضى ، ومولاك بقي ، وأنت واجد عندنا ما كنت واجدا عنده ، ونحن كنّا سببك عنده ولن ينقطع ذلك السبب لدينا لك إن شاء اللَّه تعالى ، فطب نفسا وقرّ عينا وليحسن بنا ظنّك وتسكن إلى ما تحبّه لدينا نفسك ! فبينا أنا كنت أخشى من الوجد عليه إذ صار يعزّيني عنه صلوات اللَّه عليه ، لتأييد اللَّه له وتوفيقه إيّاه وما وهب له من جميل المادّة وأجراه عليه من حسن العادة / . ( قال ) وسمعته يقول صلوات اللَّه عليه لجماعة من أوليائه حضروا مجلسه وهو يحضّهم على طلب الفضل عنده والتماس الخير منه : إنّ اللَّه جلّ وعزّ إذا حبس
[1] القصص ، 88 . [2] هذا الدعاء غير معهود عند النعمان .