من اللَّه عزّ وجلّ لمن فعل مثل فعلهم وتحذير من ذلك العذاب أن ينزل بهم . فعلمت أنّه رمز صلوات اللَّه عليه بما أجراه من ذلك إلى أن لا يقصد في السؤال عن البيّنات مثل ذلك الرجل ، وإن كان له / موضع من القرب والخدمة . فإنّ للكشف عن البيّنات من هو أولى بذلك منه . ولم أنزل حديثه بذلك منزلة الخبر والمذاكرة بغير معنى ولا فائدة إذ كان التنزّه له عن ذلك أولى . فكذلك ينبغي لمن سمع قولا من أولياء اللَّه عليهم السلام أن يتدبّره حق تدبيره [1] ولا يعرض عنه فيمرّ صفحا ، فإنّ في كلّ لفظة لهم حكمة ، وتحت كلّ كلمة فائدة لمن هداه اللَّه لعلم ذلك وأبان اللَّه وجهه ووفّقه لعلمه ويسّر له نفعه . واللَّه يهدي من يشاء بفضله . 5 - ( قال ) وسايرت المعزّ لدين اللَّه صلوات اللَّه عليه يوما فذكر رجلا فقلت / : إنّه كان معنا في أيّام الفتنة [2] بالمهديّة . قال : وكيف كان ذلك ؟ قلت : لمّا قرب الدّجّال اللعين مخلد منّا ، نزع إلينا من البادية بنفسه وأهله وبولده وبما قدر عليه من ماله ، وخلَّف شيئا كثيرا ، فانتهب فعوّضه اللَّه من ذلك بأن كان قد نقل إلينا طعاما [3] ، فلمّا عفن الطعام باع منه بمال عظيم بعدما احتبس قوته وقوت عياله ، فأخلف اللَّه عليه ما ذهب له أضعافا مضاعفة . فقال لي عليه السلام : يا نعمان ، واللَّه للَّذي أعدّه اللَّه له من ثوابه في كريم مآبه لأعظم من ذلك ، واللَّه ما صبر معنا يومئذ مؤمن عرف حقّنا وآثر الكون معنا / على البأساء والضرّاء ، على الكون مع عدوّنا على الخفض والرخاء ، إلَّا وهو معنا غدا في الجنّة يدخل مدخلنا ويستظلّ بظلَّنا ، واللَّه لو كان عليه من الذنوب بعدد الرمل لغفر اللَّه له وأدخله الجنّة بشفاعتنا وكونه معنا .
[1] ننتظر « تدبره » . [2] يعني ثورة أبي يزيد ، أي بين سنة 333 و 336 . وقد تدل عبارة « معنا » على أن النعمان لم يكن بطرابلس أيام الفتنة . [3] الطعام هو القمح أو ما شابهه .