رؤيا رآها المنصور باللَّه صلوات اللَّه عليه : 98 - ( قال ) وسمعته صلوات اللَّه عليه يقول : لمّا خرج المنصور باللَّه صلوات اللَّه عليه إلى ناحية تونس في حين إخراجه الأساطيل [1] إلى غزو الروم نزل خربة قرطاجنّة وهي لمن أحد عجائب الأوّلين في البناء ، فأقام بها / أيّاما . ( قال ) فدخلت عليه في صب / ي / حة يوم من تلك الأيّام ، فقال لي : أخبرك عن [2] عجائب هذا البناء ، لقد اشتغل [3] قلبي به ، فقلت في نفسي : ليت شعري من بناه ؟ وهل واحد أم [4] تعاقبه جماعة ؟ وكيف كان اقتدر من بناه عليه مع عظمه واتّساعه ؟ وقلت : إن كان الذي بنى هذا ملكا واحدا ، فكيف اتّسع بذلك والعمر لا يبلغه ؟ وإن تداوله ملك بعد ملك ، فكيف اتّفقت آراؤهم على هذا المكان وقلَّما تتّفق الأهواء على سكنى البلدان ، سيّما الملوك ؟ فنمت وأنا أفكَّر في ذلك . فرأيت في المنام كأنّ رجلا دخل عليّ ، آدم شديد الأدمة ، تعلوه صفرة / ، خفيف العارضين محدورا [5] معتدل القامة ، عليه ثوب أبيض قد توشّح به فسلَّم عليّ ، فرددت عليه السلام وقلت : من أنت ؟ قال : عبد من عباد اللَّه بعثت إليك . قلت : مرحبا بك ! ودفعت يدي إليه ، فأكبّ عليّ وقبّل عضدي . وقلت له : اجلس ! فجلس . وسكتّ أنظر ما يقول ، فسكت وتبسّم في وجهي تبسّما خفيفا . فقلت : يا هذا من أنت ، وما له جئت ؟ فقال : أنا صاحب هذه المدينة . قلت : وكيف أنت صاحبها ؟ قال : أنا الملك الذي ابتنيتها وملكت أهلها . فقلت : وحدك أم شاركك فيها غيرك ؟
[1] يبدو أن الميناء الذي خرج منه الأسطول هو ميناء دار الصناعة ببحيرة تونس الذي اتخذه حسان بن النعمان سنة 80 ه . [2] في الأصل : في . [3] في الأصل : فاشتغل . [4] في الأصل : أو . [5] محدور : سمين في غلظة .