قال : بل وحدي ابتنيتها حتّى أكملتها وسكنتها / وأقمت عمري بها إلى أن متّ فيها . فقلت له : لقد أعطيت ملكا عظيما وبسطة ، أفما كان لك عدوّ فحاربته فشغلك عن هذا البناء [1] ؟ فحرّك يده وجمع أصابع يديه جميعا وقرّبهما وقال : كان لي عدوّ كثير ، ومن ذا يخلو من الأعداء ؟ قلت : فما كان دينك ومذهبك ؟ قال : التوحيد . قلت : فما صرت إليه ؟ قال : إلى خير والحمد للَّه ! قلت : قد جمع اللَّه لك أمر الدنيا والآخرة . قال : وما تنكر من ذلك إذ كانت هذه البقاع من هذه الأرض قد منحت ما تراه من المنحة [2] فكيف بالأرواح الشريفة وما يخصّها الباري إذا ارتضاها ؟ قلت : أجل ، فما اسمك ؟ فتسمّى لي باسم لم أسمع بمثله في لغة من اللغات ولا عرفت معناه ، إلَّا أنّه كثير عدد الحروف . وقال المعزّ عليه السلام : أظنّه قال : فيه مثل عشرة أحرف وذكر بعضها . وقال : كتبها المنصور عليه السلام . ( قال ) ثمّ تحرّك للقيام ، فقلت : ألا تجلس ؟ أنست بك . فقال : ما بعثت إليك إلَّا وأنا على شغل [3] ، فإن أحببت أن تسأل عن شيء فاسأل عمّا بدا لك ! ( قال ) فسكتّ مفكَّرا فيما أريد أن أسأله عنه ، فقام ومضى ، فانتبهت .
[1] هذا السؤال يعبر عن مشاغل المنصور كأنه يقول : لولا الحروب لبنيت مثل بناءات قرطاج . [2] في الأصل : المحنة . [3] وأنا على شغل : هذه إشارة إلى ما يعتقده الإسماعيلية من أن الأنفس المحمودة تؤثر بعد الموت في أنفس الأولياء ، وتستغفر لهم من الذنوب . فهي في شغل دائم إلى يوم القيامة . انظر : ستروطمان : أربعة كتب إسماعيلية ص 89 . ويرى الكرماني ( راحة العقل ، 391 ) أن مكوث الأنفس بالبرزخ يدوم حتى يتم الخلق الجديد .