انظر في هذا واستخرج ! ( قال ) فأخذته منه فمكثت أيّاما أتدبّره لا ينفتح لي فيه شيء وأنا من الغمّ بذلك فيما حال بيني وبين النّوم والطعام والشّراب . فإنّي لأنظر فيه ليلة إذ هجعت هجعة ، وهو على صدري ، فرأيت أبي المنصور باللَّه ( صلع ) في النوم وقد وقف عليّ ، فقال لي : تعاظمك أمر هذا القلم ؟ فقلت : أي واللَّه يا مولاي . فأخذ الكتاب من / يدي وقرأ منه سطرا وقال : هذه ترجمته . وحفظت ما قرأه . وانتبهت في الوقت فكتبت ذلك ثم نزّلته فخرج ما [1] نالني من الحصر عند استخراجه إلى أن رأيت ما رأيت ، فأمسكت عن ذكر ذلك له أيّاما حتّى سألني عنه : إن لم يكن انفتح لك فيه شيء فجيء به حتىّ أفتحه لك ! قلت : قد فتحته لي . قال : متى ؟ فعرّفته الخبر على وجهه ، وجئته بالكتاب وقرأته عليه ، فضمّني إليه وحلّ أزراري وقبّل صفحة عنقي وبكى ، وقال : قد كنت أحببت أن أعيش لك أكثر ممّا عشت لأفيدك وأزيدك ، ولكن لا رادّ لأمر اللَّه وما سبق في علمه . فكأنّما ضربني بسهم في قلبي ، ولم أدر معنى / ذلك حتّى كانت المصيبة به عن قريب . وصيّة بالصبر والتجلَّد : 71 - ( قال ) وسمعته يقول في هذا المجلس : كان فيما أوصاني فيه المنصور باللَّه عليه السلام عند وفاته أن قال لي : دع عنك ملازمة قبري والاختلاف إليه ! فإنّ ذلك يبعث الحزن ولا يؤدّي إلى غاية من الحزم ، وإنّما يفعله الجهّال من الرجال ، فإن لم يكن لك من ذلك بدّ فالوقفة بعد المدّة للترحّم ، ثم تنصرف بسرعة . ومن عرف مصير الأرواح لم يلتفت إلى محلّ الأبدان . كلام في النجامة ذكر في مجلس : 72 - ( قال ) وسمعته يقول في هذا المجلس : ذكر المنصور باللَّه ( صلع ) النجامة وكان بعلمها / ماهرا . فقال لي : واللَّه ما طلبتها وتعلَّمتها لشيء ممّا يراه