بابه وأبى أن يفيدهم شيئا . فقيل له في ذلك ، فقال : ما لقيت حكيما في بلد من البلدان أو عالما ألتمس منه علما أو حكمة إلَّا وجدت أهل ذلك البلد يستقلَّونه ويضعون منه ويفضّلونني عليه ، وأنا أعلم فضله / عليّ . فلست بناشر في بلدي علمّا ولا حكمة أعرّضها لزراية الجهّال واستقلال من لا تميّز له من الرجال . وخرج إلى حيث لا يعرف فأظهر ذلك فأخذ عنه وانتفع به في حياته ومن بعد وفاته . وفي هذا حديث مرفوع : إنّ أزهد الناس في العالم أهل بيته ثمّ جيرانه ثمّ الأقرب والأقرب إليه . وإنّما مثل العالم في القبيلة كمثل العين من الماء في القرية لا يدّخر أهلها شيئا من ذلك الماء لأنّهم يرون أنّهم متى شاؤوا أخذوا منه ، فبينما هم كذلك إذ غارت العين فحينئذ يندمون . كذلك العالم إذا مات / ندم من عرفه على أن لم يأخذ عنه [1] . ثم قال : والعلماء في طلبهم العلم وازديادهم منه كالأغنياء يطلبون التزيّد في قليل المال وإن كان عندهم الكثير منه . 35 - ( قال ) وسمعته عليه السلام يقول في مسايرة : جرى عند المنصور عليه السلام ذكر الموت وخوف أولياء اللَّه وأنبيائه منه ، على علمهم بما لهم عند اللَّه من الكرامة وأنّهم ينتقلون إلى أفضل ممّا كانوا عليه . فقلت : أو يكون ذلك منهم ؟ فقال لي : نعم ! هم أشدّ خوفا من الموت من كافّة الناس ، استعظاما لأمره وتهوّلا له . قلت : وكيف ذلك ؟ قال : لعظمة جلال اللَّه في / قلوبهم وموقعه من صدورهم ، فهم يخافون منه ويتهيّبون من لقائه ، وهذا ممّا يؤثر مثله عن عليّ بن الحسين صلوات اللَّه عليه [2]
[1] الحديث المرفوع هو الذي يرفع سنده إلى الرسول ( صلع ) . وهذا الحديث ذكره النعمان في الدعائم ج 1 ص 82 عدد 167 مع اختلاف طفيف ، ولعله من الأمثال السائرة إذ أورده الميداني ، 1 / 457 . وقد نقل الناشر فيضي عن إحدى النسخ التي اعتمدها ، جزءا من كلام القاضي النعمان هنا . [2] علي زين العابدين .