ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالإسلام ، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً ، غير أن قلوب المؤمنين غير طيِّبة بفراقك ، ولا شاكَّة في حياتك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا . ثمَّ جال ببصره حول القبر وقال : السلام عليكم أيتها الأرواح التي حلَّت بفناء الحسين ( عليه السلام ) وأناخت برحله ، أشهد أنكم أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين ، والذي بعث محمداً بالحقّ ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه . قال عطية : فقلت لجابر : فكيف ولم نهبط وادياً ، ولم نعلُ جبلا ، ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم ، وأوتمت أولادهم ، وأرملت الأزواج ؟ ! فقال لي : يا عطيَّة ! سمعت حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من أحبَّ قوماً حُشر معهم ، ومن أحبَّ عمل قوم أُشرك في عملهم ، والذي بعث محمداً ( صلى الله عليه وآله ) بالحقّ ، إن نيّتي ونيَّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ( 1 ) . قال عطية : فبينما نحن كذلك وإذا بسواد قد طلع من ناحية الشام ، فقلت : يا جابر ! هذا سواد قد طلع من ناحية الشام ، فقال جابر لعبده : انطلق إلى هذا السواد وأتنا بخبره ، فإن كانوا من أصحاب عمر بن سعد فارجع إلينا لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ ، وإن كان زين العابدين فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى . قال : فمضى العبد ، فما كان بأسرع من أن رجع وهو يقول : يا جابر ! قم واستقبل حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، هذا زين العابدين ( عليه السلام ) قد جاء بعمَّاته وأخواته ، فقام جابر يمشي ، حافي الأقدام ، مكشوف الرأس ، إلى أن دنا من زين العابدين ( عليه السلام ) فقال الإمام : أنت جابر ؟ فقال : نعم يا ابن رسول الله ، فقال : يا جابر !