ههنا والله قتلت رجالنا ، وذبحت أطفالنا ، وسبيت نساؤنا ، وحرقت خيامنا ( 1 ) . وفي بعض الأخبار قال الراوي : فتلاقوا في وقت واحد ، وأخذوا بالبكاء والنحيب واللطم ، وأقاموا العزاء ، واجتمع إليهم نساء أهل السواد ، فخرجت زينب في الجمع ، وأهوت إلى جيبها فشقَّته ، ونادت بصوت حزين يقرح القلوب : وا أخاه ، وا حسيناه ، وا حبيب رسول الله ، وا ابن مكة ، ومنى ، وا ابن فاطمة الزهراء ، وا ابن علي المرتضى ، آه آه ، ثمَّ آه ، ووقعت مغشيّاً عليها ، فاجتمعن النساء إليها ، ورششن الماء عليها حتى أفاقت ، وكأني بها تنادي بلسان الحال : < شعر > يَا نَازِلينَ بكربلا هَلْ عِنْدَكُمْ * خَبَرٌ بقَتْلاَنا وَمَا أَعْلاَمُها مَا حَالُ جُثَّةِ ميِّت في أَرْضِكُمْ * بَقِيَتْ ثلاثاً لاَ يُزَارُ مُقَامُها باللهِ هَلْ وَارَيتُمُوها في الثَّرَى * وَهَل استقرَّت في اللُّحُودِ رِمَامُها < / شعر > وكأنّي بقائل يقول في جوابها ( عليها السلام ) : < شعر > مَا غَسَّلُوه وَلاَ لَفُّوه في كَفَن * يومَ الطفوفِ وَلاَ مَدُّوا عليه رِدَا عَار تَجُولُ عليه الخيلُ عاديةً * حَاكَتْ له الريحُ ضَافِي مِئْزَر وَرِدَا < / شعر > فأقاموا هناك ثلاثة أيام ، ملازمين لإقامة المآتم ، وإجراء الدموع السواجم ، ثمَّ بعد ذلك أمر علي بن الحسين ( عليه السلام ) بشدِّ الرحال فشدُّوها ، فصاحت سكينة بالنساء لتوديع قبر أبيها ، فدرن حول القبر ، فحضنت سكينة قبر أبيها ، وبكت بكاء شديداً وحنَّت ، وأنشأت تقول : < شعر > أَلاَ يَا كربلا نُوْدِعكِ جسماً * بلا كَفَن وَلاَ غُسْل دَفِينا أَلاَ يَا كربلا نُوْدِعك رُوْحَاً * لأحْمَدَ والوصيِّ مَعَ الأمينا < / شعر > وانكبَّت - أيضاً - فاطمة ابنة الحسين ( عليه السلام ) على قبر أبيها ، وبكت بكاء شديداً حتى غشي عليها .