أما إحداهما فكراهية هانىء أن يقتل في داره ، وأمّا الأخرى فحديث حدَّثنيه الناس عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن الإيمان قيد الفتك ، فلا يفتك مؤمن ، فقال له هانىء : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً ( 1 ) . قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وخاف هانىء بن عروة عبيد الله على نفسه ، فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض ، فقال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى هانئاً ؟ فقالوا : هو شاك ، فقال : لو علمت بمرضه لعدته ، ودعا محمد بن الأشعث ، وأسماء ابن خارجة ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي - وكانت رويحة بنت عمرو تحت هانىء بن عروة ، وهي أم يحيى بن هانىء - فقال لهم : ما يمنع هانىء بن عروة من إتياننا ؟ فقالوا : ما ندري ، وقد قيل إنه يشتكي ، قال : قد بلغني أنه قد برئ ، وهو يجلس على باب داره ، فالقوه ومروه أن لا يدع ما عليه من حقنا ، فإني لا أحبّ أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب . فأتوه حتى وقفوا عليه عشيَّةً وهو جالس على بابه ، وقالوا له : ما يمنعك من لقاء الأمير ؟ فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاك لعدته ، فقال لهم : الشكوى تمنعني ، فقالوا : قد بلغه أنك تجلس كل عشيَّة على باب دارك ، وقد استبطأك ، والإبطاء والجفاء لا يحتمله السلطان ، أقسمنا عليك لما ركبت معنا ، فدعا بثيابه فلبسها ، ثمَّ دعا ببغلته فركبها حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحسَّت ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة : يا ابن الأخ ، إني والله لهذا الرجل لخائف ، فما ترى ؟ فقال : يا عمّ ، والله ما أتخوَّف عليك شيئاً ، ولم تجعل على نفسك سبيلا ، ولم يكن حسان يعلم في أيِّ شيء بعث إليه عبيد الله . فجاء هانىء حتى دخل على عبيد الله بن زياد وعنده القوم ، فلما طلع قال
1 - مقاتل الطالبيين ، الأصبهاني : 71 والحديث رواه أبو داود في سننه : 2 / 79 ومعناه أن الإيمان يمنع من الفتك الذي هو القتل بعد الأمان .