نام کتاب : القيادة في الإسلام نویسنده : محمد الريشهري جلد : 1 صفحه : 238
وقد صور الإمام ( عليه السلام ) الواقع المر بعد مقتل عثمان وإقبال الناس عليه لمبايعته ، فقال : " دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول . وإن الآفاق قد أغامت ، والمحجة قد تنكرت ، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم اصغ إلى قول القائل وعتب العاتب . وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم ، وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا " [1] . يا عجبا ! إن من يرى نفسه خليفة النبي بلا فصل ، ومن كان يعبر عن ظلامته - بل ظلامة الإسلام - بكلام يحرق القلب حيثما اقتضى ذلك خلال السنين الخمس والعشرين التي أمضاها بعيدا عن الخلافة ، يرفض بيعة الناس ويقول لهم : " دعوني والتمسوا غيري " ، في حين قد أقبلوا عليه بأرواحهم وقلوبهم وقلدوه أمرهم وأصروا عليه أن يتولى قيادتهم ! وهو يطلب منهم أن يتركوه وحاله ، ويبايعوا غيره ، ويعمل هو كأحد الناس ، ولعله أطوعهم لولي أمرهم ! وأخيرا يخبرهم أنه لهم وزيرا خير لهم منه أميرا ! لماذا ؟ ! لقد عرض ( عليه السلام ) نفسه السبب الذي دعاه إلى رفض قيادة الأمة الإسلامية ، وهو الحالة التي كان عليها المجتمع يومئذ . فقد ظهرت تحريفات كثيرة في المجتمع الإسلامي بعد ربع قرن على وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلقت بالإسلام الأصيل شوائب جمة كالغمائم السوداء التي تحجب شمس الإسلام الحقيقي وتظلم مسير معرفة الحقيقة ، وكان الناس ينتظرون منه أن يقودهم في نفس الطريق الذي ألفوه عدد سنين ، أما الطريق الجديد فلا ينسجم مع طبيعتهم ، وهو كما قال ( عليه السلام ) : " لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول " .