فأنت ترى من مجموع الروايتين على اختلاف سنديهما ما هو صريح بإكمال الدار وتحسينها وتجميلها وسد فراغ اللبنة به ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بقوله : فأنا اللبنة ، وبما هو أبين وأصرح من قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وأنا خاتم النبيين ، وهذا هو المقصود من هذا المثال ، وأن النبيين اختتموا بنبوته لا أنه زينتهم ، وهذا ما يفهمه كل عارف بأساليب الكلام . 2 - إنه عدل عن ظاهر الحديث الدال على انقطاع النبوة إلى تفسيره بمعنى غير مفهوم من لفظه بقوله : لأن هذا المثال إنما ذكره رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مقابلة الأنبياء الذين جاؤوا قبله . لم نجد محصلا لحمل الحديث على معنى المقابلة ، لأن المقابلة بمعنييها اللغويين المواجهة والمعارضة ، لا مورد لواحد منهما في هذا المقام كما هو بين ، وكذلك الحال في حمل المقابلة على معنى التقابل الاصطلاحي ففي التعريفات للجرجاني : " المتقابلان هما اللذان لا يجتمعان في شئ واحد من جهة واحدة قيد بهذا ليدخل المتضايفان في التعريف ، والمتقابلان أربعة أقسام : الضدان والمتضايفان والمتقابلان بالعدم والملكة ، والمتقابلان بالايجاب والسلب " . شئ من ذلك غير مفهوم من الحديث وإنما المفهوم منه وهو غير ما فهمه بالطبع أن الله عز وجل أرسل الرسل إلى الأمم مبشرين ومنذرين ما حسب استعدادهم لقبول شرائعه ، مع مراعاة سنن الترقي في عقولهم وفي مجتمعاتهم ، وقبولهم تلك الشرائع ، حسب تدرجهم في الرقي في مختلف العصور ، إلى أن استكملوا رشدهم وبلغوا أشدهم وأصبح في استطاعتهم أن يقبلوا تشريعا حكيما نافذا حكمه فيهم وفيمن يليهم ومن بعدهم إلى قيام الساعة ، فكان ذلك التشريع الإسلام وكان المخصوص بالاضطلاع بأعبائه نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة والسلام ، فبشريعته استكملت الشرائع وكانت موردا عذبا مستساغا لكافة الأنام ، فبرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أكملت الدار وهي الشريعة العامة الخالدة بخلود الذكر المبين ، وسد ذلك الفراغ من تلك الدار باللبنة وهو محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو خاتم المرسلين ، هذا هو المفهوم من هذا المثال .