قال : فلا يدل على انقطاع النبوة بعده ، لأن هذا المثال إنما ذكره رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مقابلة الأنبياء الذين جاؤوا قبله ، ولكن يدل الحديث على أن عيسى ( عليه السلام ) توفي ولا يرجع إلى هذا العالم أبدا ، لأنه لا حاجة إلى إخراج لبنة من الدار أي عيسى ( عليه السلام ) وإرساله مرة أخرى ، وإلا نضطر للاعتقاد بأن الدار ناقصة والذي يكملها ويجعلها أحسن هو عيسى ( عليه السلام ) . وثانيا : إن المراد من هذا المثل أن نبوة الأنبياء من حيث الشريعة ومن حيث إنهم كانوا يرسلون إلى أقوام مخصوصة لم تكن بالغة إلى نهايتها ، فتمت مراتب النبوة ببعثة نبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم تبق مرتبة يمكن للبشر الحصول عليها إلا ونالها محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فالذي يأتي بعده هو يكون من أتباعه . ثالثا : نعم نعتقد بأنه لا يأتي بعده نبي مستقل كالأنبياء السابقين ، بل إذا أتى يكون تحت حكم شريعته ومن أمته ، فنبوته ليست غير نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بل هي عينها كما قال المسيح الموعود : ( وليست نبوتي إلا نبوته ، وليس في جبتي إلا أنواره وأشعته ، ولولاه لما كنت شيئا يذكر ) إلخ . . . والجواب : 1 - إن هذا الحديث الذي استنتج منه نبوة صاحبه بهذا التمحل الغريب ولم يذكره بتمامه ، نرى لزاما علينا إيراده بحرفه ، فقد أخرج البخاري في صحيحه مسندا إلى جابر بن عبد الله قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " مثلي ومثل الأنبياء كرجل بني دارا فأكملها وأحسنها ، إلا موضع لبنة ، فجعل الناس يدخلونها ويعجبون ويقولون : لولا موضع اللبنة " [1] . ثم خرج رواية أخرى مسندة إلى أبي هريرة . . . أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : " إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ، قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين " ( 1 ) .
[1] صحيح البخاري ، ج 2 ، ص 196 ، كتاب المناقب ، الباب 18 . ( 2 ) م . س ، ج 2 ، ص 196 .