قال : وفي حديث الحارث الأعور ، قال علقمة : قرأت القرآن في سنتين . فقال الحارث : القرآن هين ، الوحي أشد منه ، أراد بالقرآن القراءة وبالوحي الكتابة والخط ، إلى أن قال : وإنما المفهوم من كلام الحارث عند الأصحاب شئ تقوله الشيعة أنه أوحي إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شئ فخص به أهل البيت والله أعلم ، وقد تكرر ذكر الوحي في الحديث ويقع على الكتابة والإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفي ، يقال : وحيت إليه الكلام وأوحيت " [1] . 4 - وفي أمالي الشريف المرتضى في تأويل الآية . ( ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ) فأما أبو علي الجبائي فإنه ذكر أن المراد بالآية ( وما كان لبشر أن يكلمه الله ) إلا مثل ما يكلم به عباده من الأمر بطاعته والنهي لهم عن معاصيه وتنبيهه إياهم على ذلك على سبيل الوحي ، وإنما سمى الله ذلك وحيا لأنه خاطر وتنبيه وليس هو كلاما على سبيل الافصاح كما يفصح الرجل منا لصاحبه إذا خاطبه ، والوحي في اللغة إنما هو ما جرى مجرى الإيحاء والتنبيه على شئ من غير أن يفصح به ، إلى أن قال : وعنى بقوله : ( أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ) إرسال ملائكة بكتبه وكلامه إلى أنبيائه ( عليهم السلام ) ليبلغوا عنه ذلك عباده ويأمرهم فيه بطاعته وينهاهم عن معاصيه من غير أن يكلمهم على سبيل ما كلم به موسى ( عليه السلام ) وهذا الكلام هو خلاف الوحي الذي ذكره الله تعالى في أول الآية ، لأنه قد أفصح تعالى لهم في هذا الكلام بما أمرهم به ونهاهم عنه ، والوحي الذي ذكره تعالى في أول الآية إنما هو تنبيه وخاطر وليس إفصاحا ، وهذا الذي ذكره أبو علي أيضا سديد والكلام محتمل لما ذكره . هذا خلاصة ما اتفق عليه الأئمة من مفسرين ولغويين من معاني الوحي الذي هو قدر مشترك بنيها ، فأنت ترى أن منه ما يشارك به الإنسان العاقل المكلف أضعف أنواع الحيوان كالنحل والنمل والعنكبوت والأصداف ، دع
[1] النهاية في غريب الحديث والأثر ، الإمام مجد الدين الجزري ابن الأثير ، المكتبة العلمية ، ج 5 ، ص 163 .