أنبياء بني إسرائيل ، وغايتها قلب مملكة بابل وتقويضها والقضاء عليها . أما الأولى ، فلم ينجح القائمون بها في حياة سليمان ، لأن سليمان بطش بهم البطشة الكبرى ، وإنما نجحوا بعد موته . وأما الثانية التي في بابل وخارجها فقد نجحت ، والشياطين المذكورون في الآية يراد بهم الأشرار المفسدون من الناس من الأغراب بناة الهيكل والإسرائيليين ، والسحر يراد به الكلام الجاذب الذي يستميل القلوب ، والملكان هاروت وماروت يراد بهما أرميا وحزقيل من أنبياء بني إسرائيل ، وقد سميا ملكين مقابلة للشياطين ، ويؤيد هذا الاستعمال ما ورد في حق يوسف ( عليه السلام ) في القرآن ( إن هذا إلا ملك كريم ) [ يوسف / 31 ] ويدل على أنهما من البشر قول الله : ( وما يعلمان من أحد ) لأن الملائكة لا تعلم البشر ، وهاروت وماروت لفظان وضعيان يتضمنان معنى الاستئصال والتدمير لأعداء اليهود وهم البابليون يومئذ ، والفتنة يراد بها التمييز بين الخبيث والطيب والصالح والطالح . ( فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) [ البقرة / 102 ] أي أن أرميا وحزقيل يعلمان الناس ما يجعلونهم به يتركون أزواجهم وأولادهم ويتبعونهما تقاديا في سبيل الله وفرارا إلى الله ( وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ) [ البقرة / 102 ] إشارة إلى الجمعية الأولى ، فإن القائمين بها لم يتمكنوا أن يضروا أحدا لفساد تعاليمهم ، ولأنهم شياطين أشرار لا ينجح الله أعمالهم ، والذين يتعلمون منهم شيئا إنما يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم إلى كلام يجري هذا المجرى من التعسيف والتكلف لا طائل تحته ، فلا نتعب أنفسنا والقراء في نقله . أية مصلحة اقتضت هذه التعمية على المخاطبين بكلام هو من جنس كلامهم إن أعجزهم أسلوبا وبيانا ، وأي محذور من إفهامهم الأمر الواقع إن كان على ما يتمحله القاديانيون ، على أن في هذا التخريج والتحكم من الاستبعاد والتطبيق على ما قصدوا له ما لا يخفى على الشاري فضلا عن المتعمقين في فهم موارد الكتاب ومصادره . ومن ذلك قولهم في تفسير الآية : ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر - إلى - ما لبثوا في العذاب المهين ) [ سبأ / 12 - 14 ] تسخير الريح إشارة إلى ما أوتيه سليمان ( عليه السلام ) من