نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 460
يكن الخلاف في هذه المسألة قد بلغ إلى ما انتهي إليه في عصر المأمون . وقد كان لهذه الخلافات أثر كبير في العلم والأدب والسياسة . أما أثرها في العلم فإن النظر في الخلافة يستتبع النظر في معنى الرئاسة ومهمتها ومصدرها وشروطها . والنظر في الإرادة والاختيار يستتبع النظر في عدل الله وحكم العقل واستحقاق الإنسان للثواب والعقاب . والنظر في مرتكب الكبيرة يستتبع النظر في حقيقة الإيمان والكفر وعلاقة الناس بعضهم ببعض . والنظر في إمكان رؤية الله يستتبع النظر في سر الوجود وصفات الموجد والقدم والحدوث . إن النظر في هذه المسائل وما إليها ينتمي حتما إلى الكائنات وأسبابها . أما أثرها في الأدب فقد وقف الشعراء ينصر بعضهم هذا المبدأ ويدعو إليه ، وبعضهم يحاربه ويدعو إلى غيره . وكان أثرها في السياسة أظهر وأبلغ . لأن الكثير منها يتعلق بالحاكمين وشرعية حكمهم ، وعلاقة المحكومين بهم ، ولذا رأينا رجال الدولة ينكلون بكل عالم لا تتفق سياستهم مع أقواله وآرائه ، ويقربون إليهم كل من وجدوا في قوله مبررا لظلمهم واستبدادهم . ومن هنا قال بعض الباحثين إن هذه الخلافات كانت في بدء أمرها سياسية ، ثم تغلب الجانب الديني على الجانب السياسي . وإذا لا حظنا أن النهضة العلمية عند المسلمين ، والانقسامات المذهبية ، والخلافات السياسية يبدأ تاريخ أكثرها بعهد الإمام الصادق ، ولا حظنا مع هذا ما اتفقت عليه أهل السير والتراجم من أن الإمام الصادق ابتعد عن السياسية كل البعد ، وانصرف انصرافا تاما للعلم ، إذا لا حظنا ذلك كله فلا ندهش لما قرأناه من أن أصحاب الحديث جمعوا أسماء الرواة الثقات عن الصادق فكانوا أربعة آلاف رجل ، ولما سطره ابن حجر في " صواعقه " : إن الناس نقلوا عن الصادق من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته في جميع البلدان ، ولما قاله فريد وجدي في " دائرة معارف القرن العشرين " : ألف جابر بن حيان في الكيمياء كتابا يشتمل على ألف ورقة ، يتضمن رسائل جعفر الصادق ، وهي خمس مائة رسالة ، ولما ذكره الشهرستاني في " الملل والنحل " : كان الصادق ، ذا علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد في الدنيا ، وورع تام عن الشهوات أقام مدة بالمدينة يفيد الشيعة ، ويفيض على الموالين له أسرار العلوم ، ثم دخل
460
نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 460