نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 387
ومنهم السيرافي النحوي الحسن بن عبد الله كان ينسج ويأكل من كسب يده ، ومنهم الشيخ أبو حامد الأسفرايني ، قيل في سيرته : إنه إمام المذهب على الإطلاق وشيخ الإسلام والمسلمين قاطبة ، وكان يحضر مجلسه ثلاثمائة متفقة ، كان هذا الشيخ يشتغل حارسا في الليل لبيوت الناس ، ويقرأ ويطالع على ضوء فانوس الحرس ، ومنهم الزبيدي محمد بن يحيى تزيد مصنفاته على مائة تصنيف في شتى العلوم والفنون ، وقد بلغ به الفقر والجوع أن يضع نواة في حلقه يلوكها ليتعلل بها . ومنهم عبد القادر السهروردي كان يبقي اليوم واليومين لا يذوق الزاد ، وكان ينقل الماء بالقربة بأجر زهيد . وكان الشهيد الثاني زين الدين العاملي على علمه ومكانته ينقل الحطب على ظهره إلى أهله لعجزه عن أجرة الخادم ، وباع الشيخ عبد المحسن الصوري عمامته ليشتري بثمنها قوت يومه ، ويكفي هذا العدد اليسير مثالا لحياة قادة الفكر وأئمة الدين واللغة البائسين ، وتمهيدا لبيان فكرة الزهد وأسبابها . عاش الخليل في خص من القصب لا يملك فلسين ، واشتغل شيخ الاسلام والمسلمين حارسا ، ومات الأخفش من الجوع ، عاش هؤلاء وأمثالهم في الحرمان وهم يرون أن الأموال تجبى من العامل والفلاح وغيرهما في شرق الأرض وغربها ليبذرها الخونة والمقامرون على الحرام والفسوق ، ويمتلكون بها الدور الشاهقة والضياع الواسعة ، وكان من نتيجة هذا الوضع الشاذ أن تراكم السخط والاستياء في نفوس الشيوخ المحرومين من الذين قدمنا ذكرهم ، والذين لم نأت لهم على ذكر ، وعوضا عن أن يحملهم هذا الاستياء على النضال وجهاد القائمين على الظلم ، فقد انقلب في نفوس الكثير إلى يأس من الاصلاح وتبدل الحال وتولد من هذا اليأس فكرة الزهد في الحياة الدنيا ، والتهوين من شأنها . وكان لهذه الفكرة خطورتها وتأثيرها في الحياة الاجتماعية بين المسلمين ، فكتب علماؤهم في الزهد وأطالوا ، ودعوا إليه في المساجد والمحافل ، وألبسوه ثوب الدين والقداسة ، والزهد بمعنى الإعراض عن طيبات الحياة ليس له مصدر في الكتاب الكريم ، ولا في السنة النبوية ، وإنما انعكس في أذهان البائسين من فقرهم وفاقتهم ، إن أفكار الإنسان ورغباته لا تأتيه عفوا ، ولا تهبط عليه من السماء ، وإنما تتولد من واقع حياته ، والظروف التي تحيط به .
387
نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 387