نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 388
ولولا وجود الفقراء المعذبين ، لولا الطمع وظلم الإنسان للانسان ، لو طبق مبدأ التعاون الأخوي ، والمساواة دون اعتبار لطبقة أو فرد ، لما عرف الناس معنى الزهد ، ولما كان للفظه في قواميس اللغة عين ولا أثر ، ويكفي للدلالة على هذه الحقيقة زهد الإمام علي عليه السلام ، وأبي ذر ، وغيرهما من أنصار الحق ، ودعاة العدالة ، قال الإمام : هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ، لعل في الحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له في الشبع ، وقال أبو ذر : عندما خصه عثمان بمبلغ من المال لا أقبل عطاء لا يعم كل معوز . أعرض الهداة المتقون من الزهاد عن متاع الحياة وطيباتها لا رغبة عنها ، بل احتجاجا على من استأثر بها ، واحتكرها لنفسه دون سواه أرادوا أن تكون الحياة وخيراتها للجميع ، أرادوها اجتماعية عامة لا فردية خاصة ، أرادوا القضاء على الفوارق والامتيازات ليعيش الجميع في أمن وسلام ، فلا تكالب ولا تطاحن على أرزاق الشعوب ، ولا حقد ولا حسد على الرغيف . زهد الإمام في لذائذ العيش ، وهو الحاكم المطلق ليفهم الأجيال أنه ليس لمن يتولى أمور الناس أن يشبع ، وفيهم جائع واحد . إن الإعراض عن متاع الحياة مواساة لمن حرم منها ، كما فعل الإمام ، إن دل على شئ فإنما يدل على قيمة الحياة وأهميتها لا على احتقارها وازدرائها ، وقد ثبت في الحديث الشريف أن حرمة الأموال كحرمة الدماء ، فالاعتداء على قوت إنسان اعتداء على دمه وحياته ، فكيف بالغاصبين المحتكرين أقوات الشعوب و موارد ثرواتهم ! أما الآيات والروايات التي استدل بها بعض الزهاد ، فلا تدل على الترغيب في التقشف والإعراض عن اللذائذ ، إنما تدل على وجوب الزهد في المحرمات ، والكلف عن السلب والنهب ، والخيانة والكذب ، على أن يضحي الإنسان بالنفس والمال في سبيل الحق ، ولا يؤثر الخبيث على الطيب . قال الله سبحانه وتعالى : " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا " ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض " " لا تحرموا طيبات ما أحل لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " . المحرم هو اعتداء الإنسان على حق أخيه ، وتهاونه بنصيبه من هذا الحق .
388
نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 388