نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 382
تنفقوها على الناس فطرد ، ونفي ومات في الصحراء وحيدا ، بعد أن مضت عليه ثلاثة أيام لم يطعم فيها شيئا ، هذا والكثير من زملائه الذين هم دونه سابقة ومنزلة عند الرسول يتدفق عليهم الذهب والفضة وتزخر حياتهم بالنعيم وأطايب العيش ، وهذي سبيل الإثم والبغي ما تزال ، ولن تزال متبعة ما وجد الباطل أنصارا . اصطدم أبو ذر بأصحاب السيادة والثروة لا لأنه يطلب سلطانا ومالا ، بل لأنه لا يريد أن يقوم الترف والبذخ إلى جنب الفقر والبؤس . لم يكن أبو ذر صاحب مذهب خاص أو رأي جديد ، صحب الرسول وآمن بدعوته على أنها وحي من الله سبحانه ، وتفهمها على أساس العدل بين الناس أجمعين ، فلا تابع ومتبوع ، وسيد ومسود ، وكرس حياته لتحقيق هذه الدعوة والظفر بها ولم يتخذها كغيره وسيلة للجاه والعيش ، فكان ذلك سببا لأن يتخذ المصلحون من شخصيته هاديا لسلوكهم ورائدا لأهدافهم . وأي إنسان أدرك الدين على حقيقته كما بشر به الرسل والأنبياء ، أدركه على أنه رسالة إنسانية تجاوزت حدود الفردية والعنصرية والإقليمية والطائفية وإن هذه الرسالة غاية تقصد لذاتها لا وسيلة وأداة للميول والشهوات ، وأخلص لها إخلاص أبي ذر يكون كأبي ذر قدوة صالحة لكل مصلح ومثلا أعلى لكل مؤمن . ليس رجل الدين من نطق بالحكمة وحفظ الأصول والفروع ، ولا من آمن بالأساطير والعفاريت والسحر والتخريف فالأول مشعوذ محترف يقلده الجاهلون باسم العلم والمعرفة ، والثاني جاهل مخرف يحترمونه باسم الإيمان والقداسة ، ولا شئ أعظم من خطرهما على الدين ، إذ يبقي بلا قائدا ولا رائد ، هذا هو السر في ضعف العقيدة الدينية انصراف الناس عن الدين وأهله .
382
نام کتاب : الشيعة في الميزان نویسنده : محمد جواد مغنية جلد : 1 صفحه : 382