لا يبعد كون حكم الصدوق بالتفويض على رواة هذه الروايات أنه من باب بالتقية ولزوم الاتقاء على الشيعة وقد يكون التدافع بين صدر عبارته وذيلها تعريض وإيماء وتلويح التقية حيث حكم في صدر عبارته بأنها من وضع المفوضة ثم ذكر في ذيل عبارته أن من يتعاطى هذه الروايات ويعمل بها فهو متهم بالتفويض مع أن الجزم بالوضع متوقف على الجزم أيضاً بالتفويض وعلى الجزم بمنافاة المضمون لمسلمات وأصول المذهب فكيف يتلائم ذلك مع عدم الجزم بالتفويض بل المظنة بأنهم مفوضة ومتهمون . رابعاً : أن ميزان التفويض والغلو عند الصدوق ( قدس سره ) وشيخه ابن الوليد ومدرسة الرواة والمحدثين القميين يختلف عن ميزان ذلك لدى الشيخ المفيد والمرتضى والطوسي والمدرسة البغدادية والكوفية ، فإنّ الأولى اتصفت بالحدة والإفراط في ذلك فان بعضهم - كالصدوق في كتابه المزبور يجعل نفي السهو عن المعصوم في الأفعال ذات الحكم الإلزامي أوّل درجات الغلو ووقائع المدرسة الأولى مع كبار وجوه وفقهاء ومتكلمي الطائفة والبرقي وغيرهم - معروفة فلاحظ رجال الكشي وغيره ، ونحن وإن نعطي النصفة والحق للمدرسة الأولى في ذلك نظراً لأخذ الحيطة في تراث الروايات ودحراً لأيدي الوضّاع والمدلسين عن الطمع في الجعل ، إلاّ أن ذلك كله في إطار الوقاية والحماية لا أنه يعني صحَّة كل تشددهم وحدّتهم في صرامة المباني الرجالية والدرائية التي تضيّع هي الأخرى قسماً من التراث الروائي الديني . ولذلك خطّأ جمهور أصحابنا - حتى أبن الغضائري البغدادي المتشدد - طعن الصدوق وشيخه في عدة مواضع كما في طعنه على أصلي زيد الزراد وزيد النرسي بأنهما موضوعان من قبل محمد بن موسى الهمداني بأن هذين الأصلين قد رواهما الأصحاب بأسانيد مختلفة أخرى صحيحة .