فلا بد أن نعرف العمل البشري ما هو ؟ ونحتاج إلى الاستعانة بقواعد الحكمة التي تنظر في كل عمل إلى ثلاث نقاط : جذره الذي هو مبدؤه ودافعه ، وثمرته أو منتهاه ، وأن ننظر ثالثاً إلى نفس العمل . لذلك ينبغي أن ننظر إلى عمل سيد الشهداء عليه السلام من هذه الزوايا الثلاث ، إلى بعضه بنظرة الدليل ، وبعضه بنظرة البرهان ، وبعضه عن طريق الإستدلال بإنْ ، وبعضه عن طريق الإستدلال بلمَ ، وبعضه بالطريقين . . وبعد ذلك ننظر إلى نفس العمل . وعندما ننظر إلى عاشوراء من هذه الجهات يتضح لنا وللعالم أنه لا يستطيع أحد أن يفهم عمق شخصية الإمام الحسين عليه السلام ، أو يستوعب عظمة عمله ! أولاً ، ما هو مبدأ عمله ودافعه اليه ؟ إن عمل الإنسان ودافعه ينبع من مقامه وعالمه الذي يعيشه مع الله تعالى ، ومقام الإمام الحسين عليه السلام يفهمه الكاملون من أهل العرفان من دعائه في عرفات بالمقايسة مع مقام نبي الله يونس عليه السلام ! فمقام يونس يدل عليه نداؤه الذي ناداه في بطن الحوت : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . ( سورة الأنبياء : 87 ) فمع أن يونس عليه السلام في الصف الأول في عظماء السالكين إلى الله تعالى ، فمقامه : لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . أما مقام الحسين عليه السلام فنجده في دعائه في عرفات حيث أضاف إلى جملة نبي الله يونس صلى الله عليه وآله أحد عشر جملة ، كما في بعض الروايات : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المستغفرين . لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الموحدين . لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الخائفين .