من مخاطر ومصاعب جمّة ، ويحويه من سقطات ومهاوي ، وبالتالي ارتفاع احتمالات القول بأننا مقبلون على انتكاسات خطيرة وشنيعة بخطورة التماس إسقاط هذه المقولات المستوردة على ثقافتنا وفكرنا وتراثنا بشكل اعتباطي غير مدروس ، ولا منتقى بشكل جيد وكفؤ ومتلائم مع حاجاتنا ، وبخاصة إذا كان اللجوء إلى مثل هذه الاسقاطات يطال الفكر الديني برمّته ، والمنظومة القيمية بأكملها . الأصالة والمعاصرة والنموذج المرعب ولعل في الإطلالة على المعركة التي تدور حول إشكالية الأصالة والمعاصرة ، أو ما يعرف بظاهرة الحداثة وما بعدها وأثرها على التراث الفكري والثقافي ، ما يشكل التماسا لرؤية الحقيقة كما هي . فقد بات واضحا حجم المشكلة التي أثارتها زوبعة الحداثة في الوعي النهضوي في التاريخ الحديث للأمة العربية والإسلامية ، وراحت تتخبّط فيه النخب الثقافية والعلمية بين مؤيد لها ، وآخر معترض عليها بشدة ، وثالث يقف حائرا بين هذا وذاك ، ولا تزال المشكلة قائمة إلى الآن ، ولا يبدو أنها تؤذن بالأفول بسبب عجز المثقف العربي عن إيجاد نوع من التوازن والموائمة بين محاولات الالتحاق بركب الحداثة والمعاصرة من جهة ، والمحافظة على مخزونه الأصيل والمتميز من جهة أخرى . على أن الذي ينذر بتحولات خطيرة أن مصاعب الموائمة بين الأصالة والمعاصرة ، أو فلنقل " الأصيل والمعاصر " لا تنبع من ضعف في أركانها وأسسها ومنطلقاتها من حيث ذاته ، وإنما من العقلية التي يتحرّك بها دعاة المعاصرة ، أعني عقلية " الإقصاء " و " الاستبعاد " و " الحجر " ، تلك العقلية التي جعلت الحداثة تظهر وكأنها يراد لها ومنها أن تكون أداة في عملية هدم وتخريب وإبادة لتاريخ بأسره ولمفاهيم ، وقيم ، وحقائق راهنة وقائمة . وهذه العقلية هي التي أدّت إلى حصول شرخ بين التيارين بحيث بات يصعب تصور التوفيق بينهما ، إذ مع هذه العقلية باتت الحداثة تعني : الانقطاع المطلق أو شبه المطلق عن التراث وعن الممارسة التراثية .