الأنبياء لا تقاس بشخصية وهمية خيالية أو أسطورية هنا ، ولا بشخصية تاريخية هناك ، مهما كانت هذه الشخصية عظيمة . فالحر بن يزيد الرياحي مثلا ، شخصية عظيمة ، عاش الصراع في نفسه بين قوى الشر والخير ، والحق والباطل في تجربة فريدة ونادرة من نوعها ، أتفق فيها أنه خيِّر بين اثنتين بين الموت ( الشهادة ) والحياة ، أو بين الآخرة والدنيا ، أو بين الوقوف إلى جانب الحق والوقوف إلى جانب الباطل ، أو بين الجنة والنار ، فاختار الموت ( الشهادة ) على الحياة في هذه الدنيا ، ووقف إلى جانب الحق ، ولم يرض عن الجنة بديلا ، فقضى شهيدا . فهل يقاس هذا الشهيد العظيم بمن عاش الصراع في نفسه فاختار الحياة الدنيا على الآخرة ووقف إلى جانب الباطل ؟ ! وهل يقاس بمن خذل الحق ، ولم ينصر الباطل ، أو جلس على التل ينظر إلى الحسين ( ع ) ويستمع إليه ينادي : هل من ناصر ينصرنا ، فلم ينصره ، فضلا عن أن يقاس بمن لم يعش الصراع ، فنصر الباطل دون تردد ؟ ! فإن كان الحرّ ( رضوان الله عليه ) لا يقاس بهؤلاء ، وهو أرفع من أن يقاس بهم ، فإنه بالمقابل ، وعلى عظمته ، لا يقاس بمن لم يعش هذا الصراع أصلا ؟ ! أي بمن هم أرفع منه مقاما ، ممّن لم يعش هذا الصراع ، لأنه لم يكن يرى سوى الحسين ( ع ) وحق الحسين ( ع ) وحب الحسين ( ع ) حتى أجنّه هذا الحب ، نعم ، لا شك بأن العناية والرعاية والألطاف الإلهية قد تداركت الحرّ في ذلك الامتحان والموقف الصعب ، فاستحق الثناء من الإمام الحسين ( ع ) الذي قال له : أنت حر كما سمّتك أمك ، فكان عظيما . ولكن ، أين الحر من أولئك الذين لم يعيشوا هذا الصراع المرير ممن كانوا على طمأنينة وسكينة ويقين مما هم مقدمون عليه ومنتهون إليه . وعليه ، فهل تقاس عظمة الحسين ( ع ) أو الأنبياء ( ع ) ، بعظمة الحرّ التي إنما استمدها منهم واهتدى إليها واستحقها بهم ، فهم الوسيلة له إلى ذلك ، والقدوة والمثل الأعلى للكمال الإنساني .