فليلاحظ قوله ( قده ) : " الآبق والهارب والفار واحد " . وفيه دلالة على عدم كون الإباق مخصوص بالعبد ما لم تقم قرينة على ذلك . وكلمة العبد هي قرينة من القرائن . أما سبب تجاهل " الكاتب " لكلام الطبرسي في مجمعه ، فلا يخفى على أعمى وأصم فضلا عن متأمل ، إذ الشيخ الطبرسي لم يضرب مثالا بإباق العبد . من هنا كان كلامه ( قدس سره ) لا يفيد " الكاتب " في هدفه ، فقد قال الطبرسي في فقرة اللغة من كتابه مجمع البيان : " الآبق الفار إلى حيث لا يهتدي إليه طالبه " [1] ولو تجاهلنا كل ما تقدم واكتفينا بما نقله " الكاتب " نفسه عن كليات أبي البقاء لوفينا المطلب حقه وهو قوله : " . . لا يقال للعبد آبق إلا إذا استخفى وذهب من غير خوف ولا كد عمل ، وإلا فهو هارب " [2] مما يعني أن العبد إذا ذهب من خوف وكد عمل ولم يستخف فهو هارب لا آبق . وعلى فرض أن يكون الإباق هو خصوص هروب العبد بلا خوف ولا كد عمل نسأل : ألم يتركهم ( ع ) بعد أن أخبره الله بنزول العذاب ؟ أولم يتركهم بعد أن دعا قومه للتوحيد لأكثر من ثلاثين سنة ، كما تقول الروايات . إذن فإن يونس ( ع ) قد تركهم من خوف وبعد كد عمل ، فكيف وصف بأنه آبق بالمعنى الذي يحاول " الكاتب " تصويره ، لذلك كله لا محالة من القول بأنه هرب من قومه كما هو عليه إجماع الشيعة . ثم ألم يجمع المفسرون على أنه يستحيل أن يكون المقصود من إباق يونس ( ع ) هو هروبه من ربه ؟ ! وأن هذا غير جائز على الأنبياء ؟ ! .
[1] مجمع البيان ج 7 أو 8 ص 589 . [2] مراجعات في عصمة الأنبياء ص 100 .