فمن كان على علم بما سيكون من بعده ، وهو أشفق الناس على أمته وشريعته . كيف يترك الأمة بلا راع والشريعة بلا حافظ ؟ ولو سلمنا أنه لم يفعل ذلك إيكالا إلى الصحابة فالمفروض قيام الصحابة بأمر التعيين ، لكن الواقع غير ما قصده النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسب الفرض . قوله ( 359 ) : ( ثم عدم النص الجلي معلوم قطعا ، لأنه لو وجد لتواتر ولم يكن سترة عادة إذ هو ما تتوفر الدواعي إلى نقله . وأيضا : لو وجد نص جلي على إمامة علي لمنع به غيره . . ثم لا يحتج علي عليهم بذلك النص الجلي . . ) . أقول : إن النص الجلي على إمامة علي عليه السلام معلوم قطعا ، أما عن طريق أئمة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم فواضح ، وأما عن طريق المخالفين ، فكذلك كما ستعرف بعضه بالرغم من كثرة الدواعي على إخفائه وتوفر الموانع عن نقله ونشره . أما أنه لو وجد لمنع به علي غيره عن الإمامة واحتج به على الصحابة . فالجواب : إنه لم يكن حاضرا في السقيفة حتى يمنع أو يحتج ، لاشتغاله بأمر النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يفرغ من ذلك إلا وقد نودي بالإمامة لأبي بكر وحمل الناس على بيعته ، فلم يبق له - والحال هذه - طريق إلى " منع غيره عن الإمامة والاحتجاج عليه " . فلو سلم عدم احتجاجه عليهم هذه المدة فالسبب عدم إتاحة فرصة له بذلك ، ولذا تراه يحتج كلما سنحت له الفرصة ، ومن مواقف احتجاجه المشهورة يوم الشورى ، حيث كان احتجاجه المعروف المروي في كتب الفريقين ( 1 ) ، والدال
( 1 ) المناشدة يوم الشورى معروفة ، رواها : كبار العلماء من الفريقين فهي متفق عليها ، وممن رواها من أهل السنة : الدارقطني ، الخوارزمي ، ابن عبد البر ، الذهبي ، الحمويني ، الكنجي ، ابن حجر المكي ، ابن المغازلي ، فهم رووها بكاملها أو جملا منها .