أما إحراق فجاءة . . فقد اضطربت الكلمات في توجيهه فمنهم من أجاب كما في الكتاب ، وتبعه صاحب ( الصواعق ) بقوله : وإذا ثبت أنه مجتهد فلا عتب عليه في التحريق ، لأن ذلك الرجل كان زنديقا ، وفي قبول توبته خلاف ، وأما النهي عن التحريق فيحتمل أنه لم يبلغه وتأوله على غير نحو الزنديق " [1] . لكن لا تعرض في الكتاب لنهي النبي صلى الله عليه وآله عن الاحراق ، كما في صحيح البخاري [2] أما في ( الصواعق ) فقد نبه على أن اجتهاد أبي بكر مخالف للنص فأجاب باحتمال أنه " لم يبلغه " لكن هذا قدح في أبي بكر فاستدركه بأنه يحتمل أنه بلغه لكن " تأوله " . ثم إن هذا كله مبني على أن يكون الرجل زنديقا ، لكنه لم يكن زنديقا ، وكان يقول : " أنا مسلم " كما ذكر في الكتاب ، بل قيل إنه كان يلهج بالشهادتين حتى احترق وصار فحمة ، وغاية ما هناك أنه قطع الطرق ونهب أموال المسلمين كما ذكر المؤرخون كالطبري ، ومثله لا يكون زنديقا . ولذا عدل بعض المعتزلة المدافعين عن أبي بكر كابن أبي الحديد إلى التوجيه بأسلوب آخر فقال : " والجواب : إن الفجاءة جاء إلى أبي بكر - كما ذكر أصحاب التواريخ - فطلب منه سلاحا يتقوى به على الجهاد في أهل الردة ، فأعطاه ، فلما خرج قطع الطريق ونهب أموال المسلمين وأهل الردة جميعا وقتل كل من وجد - كما فعلت الخوارج حيث خرجت - فلما ظفر به أبو بكر حرقه بالنار إرهابا لأمثاله من أهل الفساد ونحوه ، وللأمام أن يخص النص العام بالقياس الجلي عندنا " . فتراه لم يدع زندقة الرجل ، بل ذكر له توجيها ثبت في محله بطلانه جدا . . وحيث رأى بعض المتكلمين الأشاعرة سقوط هذا التوجيه كغيره اضطر إلى أن يقول :
[1] الصواعق المحرقة : 32 . [2] صحيح البخاري 6 / 113 بشرح ابن حجر .