ولو كان عمل السلف في هذا المجال حجة ، فهذا الإمام علي بن أبي طالب قد خاض في الإلهيات في خطبه ورسائله وكلمه القصار بما ليس في وسع أحد غيره . ولأجل ذلك ترجع إليه كثير من المدارس الفكرية العقلية في الإلهيات ، وعنه أخذت المعتزلة العدل والتوحيد ، والإمامية أصولها وعقائدها . فلا ندري لماذا تحتج سلفية العصر الحاضر والماضي بعمل أهل الحديث من الحنابلة والأشاعرة ، ولا تحتج بفعل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ربيب أحضان النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتلميذه الأول خليفة المسلمين أجمعين . قال العلامة الطباطبائي ( رحمه الله ) : " إن للناس مسالك مختلفة في هذا المجال ، فهناك من يرى البحث عن الحقائق الدينية والتطلع إلى ما وراء ظواهر الكتاب والسنة بدعة ، والعقل يخطئهم في ذلك ، والكتاب والسنة لا يصدقانهم . فآيات الكتاب تحرض كل التحريض على التدبر في آيات الله وبذل الجهد في تكميل معرفته ومعرفة آياته بالتذكر والتفكر والنظر فيها والاحتجاج بالحجج العقلية ، متفرقات السنة المتواترة معنى توافقها . وهؤلاء هم الذين يحرمون البحث عن حقائق الكتاب والسنة ، حتى البحث الكلامي الذي بناؤه على تسليم الظواهر الدينية ثم الدفاع عنها بما تيسر من المقدمات المشهورة والمسلمة عند أهل الدين " [1] .