كون وجوده نابعا من ذاته ، وكون الوجود والعدم بالنسبة إلى ذاته متساويان ، وهذا الملاك موجود في حالتي البدء والبقاء ، وأما الحدوث فليس ملاكا للحاجة فإنه عبارة عن تحقق الشئ بعد عدمه ، ومثل هذا أمر انتزاعي ينتزع بعد اتصاف الماهية بالوجود وملاك الحاجة يجب أن يكون قبل الوجود لا بعده . إن الحدوث أمر منتزع من الشئ بعد تحققه ، ويقع في الدرجة الخامسة من محل حاجة الممكن إلى العلة . وذلك لأن الشئ يحتاج أولا ثم تقترنه العلة ثانيا ، فتوجده ثالثا ، فيتحقق الوجود رابعا ، فينتزع منه وصف الحدوث خامسا . فكيف يكون الحدوث مناط الحاجة الذي يجب أن يكون في المرتبة الأولى وقد اشتهر قولهم : الشئ قرر ( تصور ) ، فاحتاج ، فأوجد ، فوجد ، فحدث . وبعبارة ثانية : ذهبت الحكماء إلى أن مناط الحاجة هو كون الشئ ( الماهية ) متساوي النسبة إلى الوجود والعدم ، وأنه بذاته لا يقتضي شيئا واحدا من الطرفين ولا يخرج عن حد الاستواء إلا بعلة قاهرة تجره إلى أحد الطرفين ، وتخرجه عن حالة اللاقتضاء إلى حالة الاقتضاء فإذا كان مناط الحاجة هو ذاك ( إن الشئ بالنظر إلى ذاته لا يقتضي شيئا ) فهو موجود في حالتي الحدوث والبقاء . والقول باستغناء الكون في بقائه ، عن العلة ، دون حدوثه ، تخصيص للقاعدة العقلية التي تقول إن كل ممكن ما دام ممكنا بمعنى ما دام كون الوجود غير نابع من ذاته يحتاج إلى علة ، وتخصيص القاعدة العقلية مرفوض جدا . ويشير الحكيم المتأله الشيخ محمد حسين الأصفهاني في منظومته إلى هذا الوجه بقوله : والافتقار لازم الإمكان * من دون حاجة إلى البرهان لا فرق ما بين الحدوث والبقا * في لازم الذات ولن يفترقا الوجه الثاني : إن القول بأن العالم المادي بحاجة إلى العلة في