أن أولياء الله آلهة ( آلهة صغيرة وإن كان فوقها إله كبير ) ، أو أنهم أرباب مدبرون ومديرون للكون كله أو بعضه ، أو أنهم مفوض إليهم أفعال الله سبحانه ، فلا شك إن أقل عمل صادر من أي شخص بهذه النية ، حتى ولو كان كتقبيل الضريح ولمس القبر ، يتصف بالعبادة ، ويكون العامل مشركا غير موحد في العبادة . وأما إذا قام بها مجردة عن تلك العقيدة ، بل بما أنهم عباد مخلصون مكرمون ، كرسوا حياتهم في طريق رضا الله سبحانه ، وقاموا ببذل النفس والنفيس في سبيله فلا يعد عبادة حتى ولو ركعوا وسجدوا لهم . وقد عرفت إن سجود الملائكة لآدم ويعقوب وأبنائه ليوسف كان مجسدا لأعظم خضوع وتعظيم ، ولم يكن شركا في العبادة . وأن العرب الجاهليين كانوا واقعين في حبائل الشرك لا لأجل الخضوع المجرد للأصنام والأوثان ، بل لأجل اعتقاد الألوهية والربوبية في حقهم واعتقادهم باستقلالهم بالنفع ونفوذ المشيئة . يقول سبحانه موبخا إياهم يوم القيامة على ما اعتقدوه للأصنام من الاستقلال في إيصال النفع ودفع الضرر : * ( أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون ) * [1] . ويقول حاكيا اختصامهم يوم القيامة إنهم يخاطبون من اعتقدوا فيهم الربوبية وخصائصها : * ( تالله إن كنا لفي ضلال مبين ، إذ نسويكم برب العالمين ) * [2] فانظر إلى هذه التسوية التي اعترفوا بها حيث يصدق الكذوب ويندم المجم حين لا ينفعه ندم . فالتسوية المذكورة هي التي صيرتهم مشركين ، سواء أكانت تسوية في جميع الصفات أو في بعضها . ومما يدل على اعتقادهم الربوبية في معبوداتهم ، قوله سبحانه : * ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ) * إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنهم كانوا يعتقدون في الأوثان والأصنام شيئا من
[1] سورة الشعراء : الآية 93 . [2] سورة الشعراء : الآية 98 .