شئ غير متحقق في الخارج ، وأنه لا يمكن الحكم بكون شئ موجودا وفي الوقت نفسه الحكم بكونه معدوما ، يدرك ذلك بلا حاجة إلى تجربة واستقراء . وأما الملاك في العقل العملي فهو عبارة عن درك مطابقة القضية وملاءمتها للجانب المثالي من الإنسان غير الجانب الحيواني ، أو منافرتها له . فالإنسان بما هو ذو فطرة مثالية ، يتميز بها عن الحيوانات ، يجد بعض القضايا ملائمة لذلك الجانب العالي أو منافية له . فيصف الملائم بالحسن ولزوم العمل والمنافي بالقبح ولزوم الاجتناب . ولا يدرك القضايا بهذين الوصفين لشخصه فقط أو لصنف خاص من الإنسان أو لكل من يطلق عليه الإنسان ، بل يدرك حسن صدورها أو قبحه لكل موجود عاقل مختار سواء وقع تحت مظلة الإنسانية أو خارجها . وذلك لأن المقوم لقضائه بأحد الوصفين نفس القضية بما هي هي من غير خصوصية للمدرك . فهو يدرك أن العدل حسن عند الجميع ومن الجميع ، والظلم قبيح كذلك ، ولا يختص حكمه بأحدهما بزمان دون زمان ولا جيل دون جيل . إلى هنا تم تبيين الأمرين اللذين لهما دور في الحكم بالتحسين والتقبيح العقليين ويجب أن لا يخلط أحدهما بالآخر لكون الأول مقدمة للثاني ، وهما : أ - انتهاء كل القضايا في مجال العقلين إلى قضايا بديهية دفعا للمحذور . ب - تبيين ملاك درك العقل صحة تلك القضايا البديهية في مجال العقلين . وقد اتضح بذلك أن المدعي للتحسين والتقبيح العقليين الذاتيين في غنى عن البرهنة لما يتبناه ، كما أن المدعي لامتناع اجتماع النقيضين