وقال الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : " سبحان من خلق الخلق بقدرته ، أتقن ما خلق بحكمته ووضع كل شئ موضعه بعلمه " [1] . وإلى هذا الدليل أشار المحقق الطوسي في تجريد الاعتقاد بقوله : " والإحكام دليل العلم " . فإن قلت : قد يصدر من بعض الحيوانات أفعال متقنة في ترتيب مساكنها ومعيشتها ، كما في النحل والنمل وكثير من الوحوش والطيور ، مع أنها ليست من أولي العلم ؟ قلت : إن ما ذكرنا من أن الإتقان في الفعل يدل على علم الفاعل قضية عقلية غير قابلة للتخصيص ، وأما هذه الحيوانات فإن عملها بإلهام من خالقها كما عليه النصوص القرآنية . قال سبحانه : * ( وأوحينا إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) * [2] . وما ربما يقال من تفسير هذه الأفعال العجيبة بغرائز الحيوانات ، فلا ينافي ما ذكرنا . فإن الغرائز الصماء لا تزيد عن كونها مادة عمياء لا تقدر على إيجاد شئ موزون إلا إذا كانت هناك قيادة عالية تسوقها إلى ما هو المطلوب منها . وللتفسير مجال آخر . علمه سبحانه بالأشياء بعد إيجادها قد تعرفت على براهين علمه بذاته وبأفعاله قبل الايجاد ، وحان وقت
[1] بحار الأنوار ج 4 ، ص 65 . [2] سورة النحل : الآيتان 68 - 69 .