البحث عن علمه سبحانه بأفعاله بعد إيجادها وتكوينها فنكتفي في المقام بالبرهانين التاليين : 1 - علمه سبحانه فعله إن الأشياء الخارجية تنتهي في مقام الوجود إلى الله سبحانه ويعد الكل معلولا له . وكل معلول حاضر بوجوده العيني عند علته لا يغيب ولا يحجب عنها . وقد عرفت أن حقيقة العلم هو حضور المعلوم لدى العالم . وبعبارة أخرى : إن كل موجود سواه ممكن ، جوهرا كان أو عرضا ، خارجيا كان أو ذهنيا . فالكل مصبوغ بصبغة الإمكان ، ولا محيص للمكن عن الاستناد إليه . وليس الاستناد إلا الحضور لديه وإحاطته سبحانه به [1] . توضيح هذا الدليل : إن كل ممكن معلول في تحققه لله سبحانه ، وليس للمعلولية معنى سوى تعلق وجود المعلول بعلته وقيامه بها قياما واقعيا كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي . فكما أن المعنى الحرفي بكل شؤونه قائم بالمعنى الاسمي فهكذا المعلول قائم بعلته . وكما أن انقطاع المعنى الحرفي عن الاسمي يقضي على وجوده ، فهكذا انقطاع المعلول عن العلة ينتهي إلى انعدامه . فإذا قلت : " سرت من البصرة " ، فهناك معنى اسمي وهو السير والبصرة ، ومعنى حرفي وهو ابتداء السير من ذلك البلد . ولكن المعنى الثاني قائم بالطرفين ولولاهما لما كان له قوام . ومثله المعلول أي الوجود الامكاني المفاض ، قائم بالمفيض وليس له واقعية سوى تعلقه بعلته . وإلا يلزم استقلاله وهو ، مع فرض الإمكان ، خلف . وما هذا شأنه لا يكون خارجا عن وجود علته ، إذ الخروج عن حيطته يلازم الاستقلال وهو لا يجتمع