يدل ما فيه من بديع الخلق ودقيق التركيب على أن خالقه عالم بما خلق ، عليم بما صنع . فالخصوصيات المكنونة في المخلوق ترشدنا إلى صفات صانعه . وقد وقع هذا البرهان موضع عناية عند المتفكرين . فإن المصنوع يدل من جهة الترتيب الذي في أجزائه أي كون صنع بعضها من أجل بعض ، ومن جهة موافقة جميعها للغرض المقصود من ذلك المصنوع ، على أنه لم يحدث عن فاعل غير عالم بتلك الخصوصيات ، بل حدث عن صانع رتب ما قبل الغاية ، فيجب أن يكون عالما به . والإنسان إذا نظر إلى بيت وأدرك أن الأساس قد صنع من أجل الحائط وأن الحائط من أجل السقف ، يتبين له أن البيت قد وجد عن عالم بصناعة البناء . والحاصل ، أن المصنوع بما فيه من إتقان ودقة ونظام بديع ومقادير معينة ومضبوطة يحكي عن أن صانعه مطلع على هذه القوانين والرموز ، عارف بما يتطلبه ذلك المصنوع من مقادير وأنظمة . ومن هنا يشهد الكون ابتداء من الذرة الدقيقة وانتهاء إلى المجرة الهائلة ، ومن الخلية الصغيرة إلى أكبر نجم ، بما يسوده من أنظمة وتخطيطات بالغة الدقة ، على أن خالق الكون عالم بكل ما فيه من أسرار وقوانين وأن من المستحيل أن يكون جاهلا . وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الدليل بقوله : * ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) * [1] . وقال تعالى : * ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ) * [2] . وقال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " علم ما يمضي وما مضى ، مبتدع الخلائق بعلمه ومنشؤها بحكمته " [3] .
[1] سورة الملك : الآية 14 . [2] سورة ق : الآية 16 . [3] نهج البلاغة ، قسم الحكم ، 191 .