ب - إن الطبيب العارف بحالات النبض وأنواعه وأحوال القلب وأوضاعه يقدر على التنبؤ بما سيصيب المريض في مستقبل أيامه . وليس هذا العلم إلا من جهة علمه بالعلة من حيث هي علة . ج - إن الصيدلي العارف بخصوصية السم إذا شربه الإنسان يخبر عن أنه سيقضي على حياة الشارب في مدة معينة ، أيضا . إذا عرفت هذه الأمثلة نقول : إن العالم بأجمعه معلول لوجوده سبحانه وليس له علة إلا ذاته سبحانه . فالعلم بالذات علم بالحيثية التي هي سبب لتحقق العالم وتكونه . وبعبارة أخرى : العلم بالذات - كما عرفت دلائله علم بالحيثية التي صدر منها الكون بأجمعه ، والعلم بتلك الحيثية يلازم العلم بالمعلول . وهذا البرهان مبني على مقدمات مسلمة عند الإلهيين نشير إلى خلاصتها : الأولى - إن العالم بجميع أجزائه مستند إليه سبحانه وهو مقتضى التوحيد في الخالقية ، وإنه لا خالق إلا هو . الثانية علية شئ لشئ عبارة عن كونه مشتملا على خصوصية تقتضي صدور المعلول عنه وتوجب إيجابا قطعيا وجود المعلول في الخارج بحيث لولا تلك الخصوصية لما تحقق المعلول . ولأجل ذلك تكون بين الخصوصية القائمة بالعلة ووجود المعلول رابطة وصلة خاصة تقتضي وجود المعلول ، ولولا تلك الخصوصية لكانت نسبة المعلول إلى العلة ، وغيرها الفاقد لها ، متساوية ، مع أن ضروري البطلان . فالخصوصية الموجودة في النار الموجبة للحرارة غير الخصوصية الموجودة في الماء المقتضية للرطوبة . الثالثة إن فاعليته تعالى لما عداه ، بنفس ذاته لا بخصوصية طارئة ، وجهة زائدة عليها . فهو بنفس ذاته فاعل الكل ، كما هو مقتضى بساطة ذاته